الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 375 ] باب بيع ما يجوز بيعه وما لا يجوز

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " أخبرنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أبي مسعود الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن ( قال الشافعي ) وقال صلى الله عليه وسلم : " من اقتنى كلبا إلا كلب ماشية أو ضاريا نقص من أجره كل يوم قيراطان " . قال : ولا يحل للكلب ثمن بحال ولو جاز ثمنه جاز حلوان الكاهن ومهر البغي " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال . بيع الكلب باطل وثمنه حرام ، ولا قيمة على متلفه بحال ، سواء كان منتفعا به ، أو غير منتفع به .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : بيع الكلب جائز وثمنه حلال ، والقيمة على متلفه واجبة ، سواء كان منتفعا به أو غير منتفع به .

                                                                                                                                            وقال مالك : بيعه لا يجوز وثمنه لا يحل ، لكن على قاتله القيمة .

                                                                                                                                            واستدلوا على ذلك براوية الحسن بن أبي جعفر ، عن أبي الزبير ، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب والهر إلا الكلب المعلم " . فجوز ثمن الكلب إذا كان معلما ، والخلاف فيهما واحد .

                                                                                                                                            وروى الحسن بن عمارة ، عن يعلى بن عطاء ، عن إسماعيل بن جستاس ، عن عبد الله بن عمرو قال : قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في كلب الصيد بأربعين درهما ، وفي كلب الغنم بشاة من الغنم ، وفي كلب الزرع بفرق من زرع ، وفي كلب الدار بفرق من تراب ، حق على القاتل أن يؤديه ، وحق على صاحب الكلب أن يأخذ . فأثبت له قيمة .

                                                                                                                                            قالوا : ولأنه حيوان يجوز الاصطياد به فجاز بيعه كالفهد والنمر ، ولأنه حيوان تجوز الوصية به فجاز بيعه كالماشية .

                                                                                                                                            [ ص: 376 ] ودليلنا : ما أسنده الشافعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن . وروى معروف بن سويد ، عن علي بن أبي رباح ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يحل ثمن الكلب ، ولا حلوان الكاهن ، ولا مهر البغي " .

                                                                                                                                            وروى عبد الكريم ، عن قيس بن حبتر ، عن ابن عباس قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب وإن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه ترابا . وروى خالد بن عبد الله ، عن أبي الوليد ، عن ابن عباس قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا عند الركن فرفع بصره إلى السماء فضحك فقال : " لعن الله اليهود ثلاثا : إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها ، وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه " . فدلت نصوص هذه الأخبار على ما ذكرنا .

                                                                                                                                            ولأنه حيوان يجب غسل الإناء من ولوغه فوجب أن يحرم ثمنه وقيمته كالخنزير . وأما الجواب عن حديث جابر فمن وجوه :

                                                                                                                                            أحدها : ضعف إسناده : لأن الحسن بن أبي جعفر مطرح الحديث .

                                                                                                                                            والثاني : أن قوله : " إلا الكلب المعلم " راجع إلى مضمر محذوف ، وتقديره : أنه نهى عن ثمن الكلب واقتنائه إلا الكلب المعلم فيجوز اقتناؤه .

                                                                                                                                            والثالث : أن معنى قوله : إلا الكلب المعلم . يعني : والكلب المعلم ، فتكون إلا في موضع الواو ، كما قال تعالى : إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني [ البقرة 150 ] يعني : والذين ظلموا .

                                                                                                                                            وأما الحديث الآخر فأضعف إسنادا : لأن الحسن بن عمارة مردود القول ، ثم المتن غير معمول به فلم يصح الاحتجاج به ، ويكون الحديث خارجا مخرج الزجر في استهلاك الكلاب المعلمة على أربابها حتى لا يسرع الناس إلى قتلها ، كما في قوله : من قتل عبده قتلناه على الزجر عن قتل العبيد .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن قياسهم على الفهد بعلة جواز الاصطياد : فهو أنه يرفع النص فكان مطرحا ، ثم المعنى في الفهد طهارته حيا .

                                                                                                                                            [ ص: 377 ] وكذا الجواب عن قياسهم على المواشي بعلة جواز الوصية به ؛ والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية