الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإن خلطه بأجود من زيته ففيه قولان منصوصان : أحدهما : وهو اختيار المزني أن حق البائع من الرجوع بماله باق لا يبطل إذا اختلط بأجود منه لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه لما لم يبطل حقه من الرجوع إذا خلطه بأردأ منه وإن لم يتميز عين ماله عنه لأنه كالنقص الذي لا يتميز وجب أن لا يبطل حقه من الرجوع إذا خلطه بأجود منه ، وإن لم يتميز عين ماله عنه لأنه كالزيادة التي لا تتميز لأن ما حدث بالمبيع من زيادة لا تتميز كالحادث به من نقص لا يتميز في أن للبائع أن يرجع به بزيادته ونقصه .

                                                                                                                                            والثاني : أنه لما كان صبغ الثوب لما كان مما لا يتميز منه ولا ينفصل عنه لا يمنع من استرجاع البائع له ويكون شريكا في ثمنه مصبوغا ، وكذا السويق إذا ألته بزيت لا يستخرج منه أن لا يمنع من استرجاع البائع له ويكون شريكا في ثمنه ملتوتا ، فأولى في الزيت إذا خلطه بجنسه مما هو أجود منه أن لا يمنع من استرجاع البائع له ويكون شريكا فيه مختلطا .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أنه قد بطل حق البائع من استرجاع ماله لأنه إن استرجع من الجملة مكيلة زيته استفضل زيادة غير مستحقة وأدخل بها على الغرماء مضرة ، فإن أخذ من المكيلة بقدر قيمة زيته صار معاوضا عن صاع بنصف صاع ، وذلك ربا حرام ، فإذا لم يمكن الرجوع بالعين المبيعة بطل حق البائع منها وصار أسوة الغرماء فيها ، وفارق الزيت إذا خلطه بأردأ منه من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه في أخذ مكيلته من الأردأ نقص يضر به ولا يضر بالغرماء ، وليس كذلك إذا خلطه بأجود منه .

                                                                                                                                            [ ص: 302 ] والثاني : أن الأدون تبع للأعلى ، فلم يسقط حق البائع من الأعلى بمخالطته الأدون ، وسقط حقه من الأدون بمخالطة الأعلى ، لأن الأعلى متبوع وليس بتبيع .

                                                                                                                                            وأما الثوب إذا صبغ والسويق إذا ألت فمخالف للزيت إذا اختلط بأجود منه من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الثوب أصل ودخول الصبغ عليه تبع ، وكذلك السويق أصل ولته بالزيت تبع ، فلم يبطل استرجاع الأصل بحدوث التبع ، وليس كذلك الزيت لأنه خالطه ما صار تبعا له .

                                                                                                                                            والثاني : أن عين الثوب والسويق موجودة وإن صار الصبغ مجاورا للثوب والزيت مجاورا للسويق ، فجاز الرجوع بهما لبقاء عينهما ، وليس كذلك الزيت المختلط لأن عينه مستهلكة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية