الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : ( قال ) والصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض ثم إذا ذهب ذلك اغتسلت وصلت " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح .

                                                                                                                                            وقال أبو يوسف ومحمد : الحمرة والصفرة حيض ، فأما الكدرة فليست حيضا إلا أن يتقدمها سواد ، وهذا خطأ ، بل كل ذلك حيض تقدمه سواد أم لا ، لما روي عن عائشة أنها قالت : كنا نعد الصفرة والكدرة في أيام ألحيض حيضا ولأن كلما كان حيضا عند تقدم غيره كان حيضا ، وإن انصرف عن غيره كالصفرة والحمرة .

                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض ، فقد اختلف أصحابنا في مراد الشافعي بقوله " أيام الحيض حيض " فقال أبو سعيد الإصطخري : يعني : في أيام العادة ، فإن تجاوزت أيام العادة لم يكن حيضا ، وبه قال أبو إسحاق في قديم أمره . وذهب سائر أصحابنا إلى أنه أراد في الأيام التي يمكن أن تكون حيضا وهي الخمسة عشر ، وإن تجاوزت أيام العادة ورجع إلى هذا القول أبو العباس في آخر أيامه ، وقال : كنت أذهب إلى القول الأول حتى وجدت للشافعي في كتاب العدد أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض ، وسواء كان لها أيام قبل ذلك أو لم يكن فجعل حكم المبتدأة ، وذات الحيض سواء ، قال أبو إسحاق : والأول أصح في القياس لولا ما وجدناه عن الشافعي : واستدل من جعل الصفرة والكدرة حيضا في أيام العادة دون ما جاوزها من الخمسة عشر يوما برواية أم الهذيل عن أم عطية . وكانت بايعت النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئا يعني بعد أيام العادة ، قال : ولأن حكم الحيض ثبت بأحد معنيين .

                                                                                                                                            [ ص: 400 ] أما وجود شاهد فيه وصفة محلة وهو السواد أو مصادمة أيام العادة ، فلما تجاوزت أيام الصفة بتغيره إلى الصفرة والكدرة ، وتجاوزت أيام العادة علم أنه ليس بحيض ، لفقد العلم الدال عليه .

                                                                                                                                            والدليل على استواء حكم في أيام العادة وغيرها من أيام الحيض برواية علقمة بن أبي علقمة أن النساء كن يرسلن إلى عائشة بالدرجة فيها شيء من الصفرة ، فتقول لهن : لا تصلين حتى ترين القصة البيضاء ، فدل إطلاقها على استواء الحكم في الحالين ، ولأن التمييز والعادة معنيان يعتبر بهما الحيض عند إشكاله ومجاوزة أيامه ، ثم كانت العادة غير معتبرة في الحيض إذا لم تجاوز أكثر أيامه ، وجب أن يكون تمييز الصفرة والكدرة غير معتبر فيه ما لم يجاوز أكثر أيامه ، ولأن المني هو الثخين الأبيض وقد يتغير إلى الصفرة والرقة لعلة تحدث ، ثم لا يختلف حكمه باختلاف لونه ؟ كذلك ما يرخيه الرحم من الدم لا يختلف حكمه في أيامه باختلاف لونه فأما حديث أم عطية فوارد فيما وجد في الطهر ، والطهر ما تجاوز أيام الحيض ، وأما استدلاله بأن اعتبار الحيض بمعنيين فيقال : وبمعنى ثالث ، وهو وجوده في زمان يجوز أن يكون حيضا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية