الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : أما الضمان فلا يتعلق عليه فيما حدث قبل مجاوزته وتعديه ، فأما بعد المجاوزة والتعدي فقد صار مأخوذا به ، ولا يخلو حال الدابة من ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن تتلف .

                                                                                                                                            والثاني : أن تنقص .

                                                                                                                                            والثالث : أن تكون على حالها ، فإن تلفت لم يخل من أن يكون صاحبها معها أم لا فإن لم يكن معها ضمن جميع قيمتها باليد : لأنه متعد بها كالغاصب .

                                                                                                                                            وإن كان صاحبها معها فلا يخلو أن يكون تلفها في حال الركوب ، أو بعد النزول ، فإن كان في حال الركوب ضمن ضمان جناية لا ضمان غصب : لأن يد المالك لم تزل وإذا كان كذلك لم تلزمه جميع القيمة : لأنه ليس جميع الركوب محظورا فلزمه بعضها .

                                                                                                                                            [ ص: 405 ] وفي قدر ما يلزمه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : نصف القيمة : لأن تلفها كان بالإعياء في مسافتين مباحة غير مضمونة ومحظورة مضمونة .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أن القيمة تقسط على قدر المسافتين في الطول والقصر ، فيسقط عنه من القيمة قدر ما قابل مسافة الإجارة ويلزمه منها ما قابل مسافة العدوان ، فإذا كان من مر إلى مكة ثمانية عشر ميلا ومن مر إلى عسفان ثلاثين ميلا ، لزمه من قيمة الدابة ثلاثون جزءا من ثمانية وأربعين جزءا وذلك خمسة أثمانها ، وأصل هذين القولين الجلاد إذا أمر أن يجلد رجلا ثمانين سوطا فجلد أحدا وثمانين سوطا فمات كان في قدر ما يضمنه قولان ؟

                                                                                                                                            أحدهما : نصف الدية .

                                                                                                                                            والثاني : جزء من أحد وثمانين جزءا من الدية .

                                                                                                                                            فإن قيل : فإذا كان صاحبها مشاهدا للركوب غير منكر له كان ذلك برضى منه ، فوجب سقوط الضمان . قيل : الرضا الذي يوجب سقوط الضمان ما كان إذنا بالقول ، وليس السكوت إذنا في استهلاك الأموال ، ألا ترى لو أن رجلا خرق ثوبا على رجل وهو يراه لزمه ضمانه ، ولم يسقط بسكوته وإن كان تلف الدابة بعد نزول الراكب عنها وحصولها في يد صاحبها فلا ضمان على الراكب : لأنه قد برئ من الضمان بردها على المالك إلا أن يكون ركوب التعدي قد نقص من قيمتها فيضمن قدر نقصها . وإن لم تتلف الدابة ولكن نقصت قيمتها نظر ؛ فإن كان نقص قيمتها بغير الركوب لم يضمنه الراكب ، وإن كان بالركوب فما قابل المباح منه لم يضمنه ، وما قابل المحظور ضمنه وسواء كان صاحبها معها أم لا : لأنه ضمان جناية وإن كانت الدابة على حالها لم يضمن الراكب غير الأجرة ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية