الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وقال بعض محققي أصحابنا في الفقه ومجوديهم في الحساب بمذهب توسط ، فيه بين مذهبي الشافعي وأبي حنيفة : لأن مذهب الشافعي وإن كان في القياس مطردا وعلى الأصول مستمرا ، فإن فيه اطراحا لعمل يصح فيه وينحصر منه ، ومذهب أبي حنيفة وإن كان في العمل مطردا وفي الحساب صحيحا ، فإن فيه حكما يفسد في القياس ويبطل على الأصول ؛ وذلك أن حفر الآبار يشتمل على حفر ونقل تراب ، فالحفر يتماثل في الأذرع كلها وليس في حفر الذراع الأخير عمل يزيد على حفر الذراع الأولى ، فلم يجز أن يفاضل بين أجورها لتساوي العمل فيها ، فصار مذهب أبي حنيفة من هذا الوجه فاسدا ، فأما نقل التراب المحفور فإنه يختلف باختلاف المسافة ويتضاعف بأعداد الأذرع : لأن مسافة الذراع الثانية مثلا مسافة الذراع الأولى ومسافة الثالثة ثلاثة أمثالها ومسافة الرابعة أربعة أمثالها ومسافة العاشرة عشرة أمثالها ومسافة النقل محفورة باختلاف الأذرع ، فلم يجز أن يعدل عن تقسيط الأجرة عليها وتحقيق المستحق بها إلى تقويم معمول أو متروك يستعمل فيه غلبة الظن في تقسيط الأجرة عليهما ، فصار في مذهب الشافعي من هذا الوجه اطراح لعمل هو أصح تحقيقا وأخصر تقسيطا ، وإذا كان كذلك وجب أن تقسط الأجرة المسماة على الحفر والنقل ، فما قابل الحفر قسم على أعداد الأذرع من غير تفاضل : لأن العمل في جميعها متماثل ، وما قابل النقل قسمة على ما تنتهي إليه مسافة الأذرع : لأن العمل فيها متضاعف متفاضل .

                                                                                                                                            فإن قيل : لا يجوز أن يفضل بين أجرة الحفر والنقل : لأن أحدهما تبع للآخر ، قيل : هذا فاسد من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه ليس جعل النقل تبعا للحفر بأولى من جعل الحفر تبعا للنقل ، وإذا لم يتميز التابع من المتبوع صار كل واحد منهما مقصودا .

                                                                                                                                            والثاني : أن ما كان تبعا لغيره من العقد لم يجز أن يفرد بالعقد ، وقد ثبت أنه لو استأجر على الحفر أجيرا لا ينقل ، وعلى النقل أجيرا لا يحفر صح ، فلم يكن الجمع بينهما في العقد بمانع من تميزها في أحكام .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية