الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 100 ] باب سنة الوضوء

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " أخبرنا سفيان ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده .

                                                                                                                                            قال الشافعي : فإذا قام الرجل إلى الصلاة من نوم أو كان غير متوضئ فأحب أن يسمي الله تعالى .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال أول ما يبدأ به المتوضئ من أعمال وضوئه التسمية فيقول : " بسم الله " وهي سنة . وقال أبو حامد الإسفراييني : هي هيئة ، والفرق بين الهيئة والسنة بأن قال : الهيئة ما تهيأ به لفعل العبادة ، والسنة ما كانت في أفعالها الراتبة فيها وهكذا نقول في غسل الكفين : وهذا يعد في العبارة مع تسليم المعنى .

                                                                                                                                            وقال إسحاق ابن راهويه : التسمية واجبة ، فإن تركها عامدا بطل وضوؤه وإن تركها ناسيا أجزأه .

                                                                                                                                            وقال أهل الظاهر : هي واجبة وإن تركها عامدا أو ناسيا لم يجزه استدلالا برواية أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه " . [ ص: 101 ] قالوا : ولأنها عبادة تبطل بالحدث فوجب أن يفتقر ابتداؤها إلى نطق كالصلاة ودليلنا قوله تعالى : إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم [ المائدة : 6 ] فلما كانت واجبات الوضوء مأخوذة منها لقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي : " توضأ كما أمرك الله " ، ولم يكن للتسمية فيها ذكر فدل على أنها غير واجبة ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من توضأ وذكر اسم الله عليه كان طهورا لجميع بدنه ، ومن توضأ ولم يذكر اسم الله عليه كان طهورا لأعضائه ، ولأنها عبادة ليس في آخرها نطق واجب فوجب أن لا يكون في ابتدائها نطق واجب كالصيام ، ولأنها طهارة فوجب أن لا يكون من شرطها التسمية كإزالة النجاسة .

                                                                                                                                            فأما استدلالهم بالحديث فضعيف الإسناد لأنه مروي من طريقين واهيين .

                                                                                                                                            أحدهما : أبو فضال ، عن جدته ، عن أبيها أنه سمع أبا هريرة .

                                                                                                                                            والثاني : يعقوب بن سلمة ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبي هريرة ، وقد قال أحمد بن حنبل : ليس في التسمية حديث ثبت ولو سلم لكان الجواب عنه من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن تحمل التسمية على النية ، وهو تأويل الأوزاعي .

                                                                                                                                            والثاني : أنه محمول على نفي الكمال دون الإجزاء ، وأما قياسهم على الصلاة فمنتقض بالطواف ، ثم المعنى في الصلاة أنه لما كان في آخرها نطق واجب كان في أولها نطق واجب وليس كذلك في الوضوء .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية