الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وليس للوصي أن يوصي بما أوصي به إليه ؛ لأن الميت لم يرض الموصى إليه الآخر " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا أوصى إلى رجل بإنفاذ وصاياه والولاية على الأطفال ، ثم حضرت الوصي الوفاة ، لم يكن له أن يوصي بتلك الوصية إلى غيره .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : " إن أوصى بها إلى غيره جاز ، ولو أوصى بإخراج ثلثه كان لوصيه القيام بتلك الوصية وإن لم يأمره بها ، استدلالا بأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الوصي قد ملك من النظر بالوصية مثلما ملك الجد من النظر بنفسه ، فلما جاز للجد أن يوصي بما إليه من النظر ، جاز للوصي أن يوصي إليه بما إليه من النظر . والثاني : أن ولاية الوصي عامة في حق الموصي كما أن ولاية الإمام عامة في حقوق الأمة ، فلما كان للإمام أن يستخلف بعده من يقوم مقامه ، جاز للوصي أن يستخلف بعده من يقوم مقامه .

                                                                                                                                            ودليلنا شيئان : أحدهما : أن من كانت نيابته عن عقد بطل بالموت كالوكيل ، والثاني : أن استنابته حيا أقوى من استنابته ميتا ، فلما لم يصح منه إبدال نفسه بغيره في الحياة ، فأولى ألا يصح منه إبدال نفسه بغير الوفاة .

                                                                                                                                            فأما الجد فولايته بنفسه ، فجاز أن يوصي ، كالأب وليس كذلك الوصي ؛ لأن ولايته بغيره فلم يجز أن يوصي كالحاكم ، على أن نظر الحاكم أقوى لعمومه .

                                                                                                                                            وأما الإمام : فيجوز أن يستخلف بعده إماما ينظر فيما كان إليه من أمور المسلمين ، كما فعل أبو بكر في استخلاف عمر - رضوان الله عليهما - ؛ لأنه عام الولاية وليس لغيره معه ما إليه ، فجاز أن يختص لفضل نظره بالاستخلاف كما لم يبطل بموته ولاية خلفائه من القضاة والولاة ، ومن كان خاص النظر بطل بموته ولاية خلفائه كالقضاة والولاة ، على أن من أصحابنا من جعل صحة استخلاف الإمام بعده لإمام معتبرا برضى أهل الحل والعقد ، ورضاهم أن [ ص: 340 ] يعلموا به فلا ينكروه ، كما علمت الصحابة باستخلاف عمر - رضي الله عنه - فجعل إمساكهم عن الإنكار رضا به انعقدت به الإمامة له .

                                                                                                                                            فعلى هذا الوجه لو استخلف إماما بعده ولم يعلم به أحد من أهل الحل والعقد ، لم يصح استخلافه ولم تنعقد إمامته إلا أن يجمع عليه ويرضى بعد موت الأول ممن يصح اختياره من أهل الحل والعقد .

                                                                                                                                            وعلى الوجه الأول قد انعقدت إمامته وإن لم يعلموا به عند العهد ولم يتفق عليه أهل الاختيار بعد الموت إذا كان ممن يصح أن يكون إماما ، وإذا كان كذلك فالولايات تنقسم ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            ولاية حكم ، وولاية عقد ، وولاية نسب .

                                                                                                                                            فأما ولاية الحكم فضربان : عامة ، وخاصة . فالعامة : الإمامة ولا تبطل بموت من يقلدها ، ولاية مستخلف ولا نظر مستناب .

                                                                                                                                            وأما الخاصة : فالقضاء ويبطل بموت من يقلده ولاية لمستخلف ونظر كل مستناب .

                                                                                                                                            وأما ولاية العقد : فضربان : عقد يتضمن نيابة عن حي ، وعقد يتضمن نيابة عن ميت .

                                                                                                                                            فالذي يتضمن النيابة عن الحي هو الوكالة ، فإن مات الموكل بطلت ، وإن مات الوكيل لم تكن له الوصية .

                                                                                                                                            والذي يتضمن النيابة عن الميت هو الوصية ، فإذا مات الموصي استقرت ولاية الوصي ، وإن مات الوصي لم يكن له أن يوصي .

                                                                                                                                            وأما ولاية النسب : فضربان : عامة ، وخاصة .

                                                                                                                                            فالعامة : ولاية الأب والجد على صغار ولده وتصح منه عند الموت الوصية .

                                                                                                                                            والخاصة : ولاية العصبات في الأبضاع ولا تصح فيه عند الموت الوصية .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية