الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي قال الله - تبارك وتعالى - : إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا الآية ( قال ) وروى الزهري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرف عام حنين على كل عشرة عريفا ، ( قال ) وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمهاجرين شعارا وللأوس شعارا وللخزرج شعارا ، ( قال ) وعقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الألوية ، فعقد للقبائل قبيلة فقبيلة حتى جعل في القبيلة ألوية كل لواء لأهله وكل هذا ليتعارف الناس في الحرب وغيرها فتخف المؤنة عليهم باجتماعهم وعلى الوالي كذلك لأن في تفرقهم إذا أريدوا مؤنة عليهم وعلى واليهم فهكذا " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح ينبغي للإمام أن يميز الجيش بما يتزينون به ويتعارفون ، قال الله تعالى : ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا [ الحجرات : 13 ] وفي الشعوب والقبائل ثلاثة تأويلات :

                                                                                                                                            أحدها : أن الشعوب للنسب الأبعد والقبائل للنسب الأقرب .

                                                                                                                                            والثاني : أن الشعوب عرب اليمن من قحطان والقبائل ربيعة ومضر وسائر عدنان .

                                                                                                                                            والثالث : أن الشعوب بطون العجم والقبائل بطون العرب ، فجعل ذلك سمة للتعارف وأصله التمييز وذلك يكون من وجهين :

                                                                                                                                            [ ص: 461 ] أحدهما : ما يتعارفون به .

                                                                                                                                            والثاني : ما يترتبون فيه ، فأما ما يتعارفون به فثلاثة أشياء : العرفاء ، والنقباء ، واختلاف الشعار .

                                                                                                                                            فأما العرفاء فهو أن يضم إلى كل جماعة واحد منهم يكون عريفا عليهم وقيما بهم ، يرجعون إليه في عوارضهم ويرجع الإمام إليه في تعرف أحوالهم ويضيفهم إليه إذا أراد أغزاهم ؛ لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرف عام حنين على كل عشرة عريفا ، وقد سمي العرفاء في وقتنا هذا قوادا .

                                                                                                                                            وأما النقباء فجعل على كل جماعة من العرفاء نقيبا : ليكون لهم مراعيا ولأحوالهم وأحوال أصحابهم منهيا ولهم إذا ارتدوا مستدعيا لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اختار من الأنصار حين بايعهم اثني عشر نقيبا .

                                                                                                                                            وأما الشعار ، فهي العلامة التي يتميز بها كل قوم من غيرهم في مسيرهم وفي حروبهم : حتى لا يختلطوا بغيرهم ولا يختلط بهم غيرهم ، فيكون ذلك أبلغ في تضافرهم لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل للمهاجرين شعارا وللأنصار شعارا علامة من ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : الراية التي يتبعونها ويسيرون إلى الحروب تحتها فتكون راية كل قوم مخالفة لراية غيرهم .

                                                                                                                                            والثاني : ما يعلمون به في حروبهم فيعلم كل قوم بخرقة ذات لون من أسود ، أو أحمر ، أو أصفر ، أو أخضر ، تكون إما عصابة على رءوسهم ، وإما مشدودة في أوساطهم .

                                                                                                                                            والثالث : النداء الذي يتعارفون به فيقول كل فريق منهم يا آل كذا ، أو يا آل فلان ، أو كلمة إذا تلاقوا تعارفوا بها ليجتمعوا إذا افترقوا ويتناصروا إذا أرهبوا ، فهذا كله وإن كان سياسة ولم يكن فقها فهو من أبلغ الأمور في مصالح الجيش وأحفظها للسير الشرعية .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية