الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ويقبل قول ابن السبيل أنه عاجز عن البلد لأنه غير قوي حتى تعلم قوته بالمال ، ومن طلب بأنه يغزو أعطي ، ومن طلب بأنه غارم أو عبد بأنه مكاتب لم يعط إلا ببينة : لأن أصل الناس أنهم غير غارمين حتى يعلم غرمهم ، والعبيد غير مكاتبين حتى تعلم كتابتهم ، ومن طلب بأنه من المؤلفة لم يعط إلا بأن يعلم ذلك وما وصفت أنه يستحقه به " . قال الماوردي : وهذا صحيح والذي قصده الشافعي بذلك أن يبين من يقبل قوله من أهل السهمان في استحقاق الصدقة ومن لا يقبل قوله إلا ببينة ونحن نذكر حكم كل صنف من الأصناف الثمانية .

                                                                                                                                            أما الفقراء والمساكين ، فإن لم يعلم لهم غناء متقدم قبل قولهم في الفقر والمسكنة من غير بينة وإن علم لهم مال متقدم لم يقبل قولهم في تلفه وفقرهم إلا ببينة تشهد لهم بذلك ، وأما العاملون عليها فحالهم في العمل أشهر من أن يحتاجوا إلى بينة أو تحليف يمين .

                                                                                                                                            وأما المؤلفة قلوبهم فلا يرجع إلى قولهم : لأنهم ممن تدعو الضرورة إليهم بظهور الصلاح وتألفهم .

                                                                                                                                            وأما المكاتبون فلا يقبل قولهم في دعوى الكتابة إلا ببينة تشهد بها وبالباقي منها : لأن الأصل أنهم غير مكاتبين ، فإذا تصادق المكاتب والسيد عليها وعلى الباقي منها ففيه وجهان :

                                                                                                                                            [ ص: 511 ] أحدهما : أن تصادقهما يغني عن البينة بعد إحلافهما : لأنه قد صار بالتصادق مكاتبا في الظاهر .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه لا يقبل ذلك منهما مع التصادق إلا ببينة لأنهما قد يتواطآن على ذلك اجتلابا للنفع .

                                                                                                                                            وأما الغارمون ، فمن استدان منهم في إصلاح ذات البين فحاله فيه أظهر من أن يكلف عليه بينة ، فإن شك في قضائه الدين من ماله أحلف : لأن الأصل بقاؤه . ومن أدان في مصلحة نفسه لم يقبل قوله في دعوى الدين إلا ببينة : لأن الأصل براءة الذمة ، فإن تصادق الغارم ورب الدين كان على ما ذكرنا من الوجهين .

                                                                                                                                            وأما ابن السبيل فالقول قوله في فقره والقول قوله في إرادته للسفر ، وفي إحلافه على أنه مريد للسفر وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يحلف على إرادة السفر ولا يعطى إلا بعد يمينه ، وهذا قول أبي إسحاق المروزي .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يحلف : لأنه إن لم يسافر استرجع منه ، وهذا قول أبي علي بن أبي هريرة .

                                                                                                                                            وأما الغازي فيقبل قوله فيما يريد أن يستأنفه من غزوه وهل يحلف على إرادة الغزو أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : يحلف وهو قول المروزي .

                                                                                                                                            والثاني : لا يحلف وهو قول ابن أبي هريرة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية