الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما قول الشافعي : " افترض عليه أشياء خففها عن خلقه ليزيده بها - إن شاء الله تعالى - قربة ، وأباح له أشياء حظرها على خلقه زيادة في كرامته وتبيينا لفضيلته " .

                                                                                                                                            وهذا صحيح أن الله تعالى خص رسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة ، وفرض الطاعة : حتى يميز بهما على جميع المخلوقات ، وميزه عنهم في أحكام الدين من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : تغليظ .

                                                                                                                                            والآخر : تخفيف .

                                                                                                                                            فأما التغليظ : فهو أن فرض عليه أشياء خففها عن خلقه ، وذلك لأمرين :

                                                                                                                                            [ ص: 10 ] أحدهما : لعلمه بأنه أقوم بها منهم وأصبر عليها منهم .

                                                                                                                                            والثاني : ليجعل أجره بها أعظم من أجورهم وقربه بها أزيد من قربهم .

                                                                                                                                            وأما التخفيف : فهو أنه أباحه أشياء حظرها عليهم ، وذلك لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : لتظهر بها كرامته وتبين بها اختصاصه ومنزلته .

                                                                                                                                            والثاني : لعلمه بأن ما خصه من الإباحة لا يلهيه عن طاعته ، وإن ألهاهم ولا يعجزه عن القيام بحقه ، وإن أعجزهم ليعلموا أنه على طاعة الله تعالى أقدر وبحقه أقوم ، فإن قيل : فقول الشافعي " ليزيده بها - إن شاء الله تعالى - قربة إليه " كان على شك فيه حتى استثنى بمشيئة الله تعالى .

                                                                                                                                            قيل : ليست شكا وفيها لأصحابنا وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنها تحقيق كقوله تعالى : ستجدني إن شاء الله من الصابرين [ الصافات : 102 ] .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنها بمعنى إذا شاء الله ، وتكون بمعنى إذ كما قال تعالى : لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين [ الفتح : 27 ] .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية