الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " وأزواجه أمهاتهم قال : أمهاتهم في معنى دون معنى ، وذلك أنه [ ص: 19 ] لا يحل نكاحهن بحال ، ولم تحرم بنات لو كن لهن ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد زوج بناته وهن أخوات المؤمنين " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا مما خص الله تعالى به رسوله من الكرامة ، وخص به أزواجه من الفضيلة أن جعلهن أمهات المؤمنين ، فقال عز وجل : وأزواجه أمهاتهم [ الأحزاب : 6 ] يعني اللاتي مات عنهن ، وهن تسع ، فيجري عليهن أحكام الأمهات في شيئين متفق عليهما ، وثالث مختلف فيه ، أحد الشيئين : تعظيم حقهن والاعتراف بفضلهن ، كما يلزم تعظيم حقوق الأمهات ، ولقوله تعالى : لستن كأحد من النساء [ الأحزاب : 32 ] .

                                                                                                                                            والثاني : تحريم نكاحهن حتى لا يحللن لأحد بعده من الخلق ، كما يحرم نكاح الأمهات : لقوله تعالى : وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا [ الأحزاب : 53 ] وسبب نزول هذه الآية ما حكاه السدي أن رجلا من قريش قال عند نزول آية الحجاب : أيحجبنا رسول الله عن بنات عمنا ويتزوج نساءنا من بعدنا ، لئن حدث به حدث لنتزوجن نساءه من بعده . فنزلت هذه الآية : ولأن حكم نكاحهن لا ينقضي بموته لكونهن أزواجه في الآخرة ، فوجب أن يكون تحريمهن بعد موته كتحريمهن في حياته .

                                                                                                                                            فأما الحكم الثالث : اختلف فيه فهو المحرم هل يصرن كالأمهات في المحرم حتى لا يحرم النظر إليهن على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يحرم النظر إليهن لتحريمهن كالأمهات نسبا ورضاعا .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يحرم النظر إليهن حفظا لحرمة رسوله فيهن ، وقد كانت عائشة إذا أرادت دخول رجل عليها أمرت أختها أسماء أن ترضعه حتى يصير ابن أختها : فيصير محرما لها ، ولا يجري عليهن أحكام الأمهات في النفقة بالميراث : فلهذا قال الشافعي : " أمهاتهم في معنى دون معنى " وإذا كن أمهات المؤمنين ففي كونهن أمهات المؤمنين وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنهن أمهات المؤمنين والمؤمنات تعظيما لحقهن على الرجال والنساء .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن حكم التحريم مختص بالرجال دون النساء ، فكن أمهات المؤمنين دون المؤمنات ، وقد روى الشعبي عن مسروق عن عائشة : أن امرأة قالت لها : يا أمه ، فقالت : لست لك بأم ، وإنما أنا أم رجالكم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية