الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : والمسألة الثانية أن اختلفوا : هل له نكاح الكتابية أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : لم يكن له ذلك لقوله تعالى : وأزواجه أمهاتهم [ الأحزاب : 6 ] وقال صلى الله عليه وسلم أزواجي في الدنيا هن أزواجي في الآخرة وهذان الأمران منتفيان عن غير المسلمات : ولأن الله تعالى شرط فيما أباحه لرسوله من بنات عمه وعماته الهجرة ، فقال : اللاتي هاجرن معك [ الأحزاب : 50 ] فلما حظر عليه من المسلمات من لم تهاجر ، فكيف يستبيح من لم تسلم ولم تهاجر ؟ .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يحل له نكاح الكتابية : لأن حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في النكاح أوسع من [ ص: 24 ] حكم أمته ، فلم يجز أن يحرم عليه ما يحل لأمته : ولأنه صلى الله عليه وسلم استمتع بأمته ريحانة بنت عمرو بملك يمينه ، وكانت يهودية من سبي بني قريظة ، وعرض عليها الإسلام فأبت ، ثم أسلمت من بعد ، فلما بشر بإسلامها سر به ، والكفر في الأمة أغلظ منه في الحرة : لأن نكاح الأمة الكتابية حرام ، ونكاح الحرة الكتابية مباح ، فلما لم تحرم عليه الأمة الكتابية ، فأولى أن لا تحرم عليه الحرة الكتابية ، فعلى هذا إذا نكح الكتابية ، فهل عليه تخييرها أن تسلم فيمسكها ، أو تقيم على دينها فيفارقها ؟ فيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : عليه تخييرها ، فإن أسلمت ثبت نكاحها ، وإن أقامت على دينها فارقها ، ليصح أن تكون من أزواجه في الآخرة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : ليس ذلك عليه : لأنه ما خير ريحانة ، وقد عرض عليها الإسلام فأبت ، وأقام على الاستمتاع بها .

                                                                                                                                            فأما الأمة فلم يختلف أصحابنا أنه لم يكن له أن يتزوجها ، وإن جاز أن يستمتع بها لملك يمينه : لأن نكاح الأمة مشروط بخوف العنت ، وهذا غير مجوز عليه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية