الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها ، ونهى عمر رضي الله عنه عن الأم وابنتها من ملك اليمين ، وقال ابن عمر : وددت أن عمر كان في ذلك أشد مما هو ، ونهت عن ذلك عائشة ، وقال عثمان في جمع الأختين : أما أنا فلا أحب أن أصنع ذلك ، فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : لو كان إلي من الأمر شيء ثم وجدت رجلا يفعل ذلك لجعلته نكالا ، قال الزهري أراه علي بن أبي طالب " .

                                                                                                                                            [ ص: 204 ] قال الماوردي : وهذا كما قال ، الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها حرام بعقد النكاح وملك اليمين ، كالجمع بين أختين . وهو قول الجمهور .

                                                                                                                                            وحكي عن الخوارج وعثمان البتي أنه لا يحرم الجمع بينهما في نكاح ولا ملك يمين ، وحرم داود الجمع بينهما في النكاح دون ملك اليمين ، فأما داود فقد مضى الكلام معه في الجمع بعد الأختين ، وأما البتي والخوارج فاستدلوا بأن تحريم المناكح مأخوذ من نص الكتاب دون السنة ، ولم يرد الكتاب بذلك ، فلم يحرم .

                                                                                                                                            وهذا خطأ : لأن كل ما جاءت به السنة يجب العمل به ، كما يلزم بما جاء به الكتاب : قال الله تعالى : وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى [ النجم : 3 ، 4 ] .

                                                                                                                                            وقد جاءت السنة بما رواه مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها .

                                                                                                                                            وروى داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تنكح المرأة على عمتها ، ولا العمة على بنت أخيها ، ولا تنكح المرأة على خالتها ، ولا الخالة على بنت أختها ، ولا تنكح الصغرى على الكبرى ، ولا الكبرى على الصغرى .

                                                                                                                                            وهذان الحديثان نص ، والثاني أكمل ، وهما وإن كانا خبري واحد فقد تلقته الأمة بالقبول ، وعمل به الجمهور ، فصار بأخبار التواتر أشبه ، فلزم الخوارج العمل به ، وإن لم يلتزموا أخبار الآحاد ، ولأن الأختين يحرم الجمع بينهما : لأن إحداهما لو كان رجلا حرم عليه نكاح أخته كذلك المرأة وخالتها وعمتها يحرم الجمع بينهما : لأنه لو كان إحداهما رجلا حرم عليه نكاح عمته وخالته .

                                                                                                                                            فأما الجمع بين المرأة وبين بنت عمتها ، أو بينها وبين بنت عمها فيجوز ، وكذلك الجمع بين المرأة وبنت خالتها ، أو بينها وبين بنت خالها فيجوز : لأن إحداهما لو كان رجلا لجاز أن يتزوج بنت عمه ، وبنت عمته ، وبنت خاله ، وبنت خالته ، وهذا هو أصل في تحريم الجمع وإخلاله بين ذوات الأنساب ، وبهذا المعنى حرمنا عليه الجمع بين المرأة وعمة أبيها وعمة أمها ، وبينها وبين خالة أبيها وخالة أمها : لأن أحدهما لو كان رجلا حرم عليه نكاح الأخرى ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية