الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : رضي الله عنه : " إذا تزوج رجل امرأة ولم يصبها في نكاحه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون عن عنة . والثاني : بغير عنة .

                                                                                                                                            فإن كان لعنة كان على مضي من تأجيله لها سنة إذا حاكمته ، فإن أصابها في السنة أو بعدها ، أو قبل الفسخ مرة واحدة سقط حقها من الفسخ : لارتفاع عنته بالإصابة ، فلو تركها بعد تلك الإصابة سنين كثيرة لا يمسها ، فلا مطالبة لها .

                                                                                                                                            وحكي عن أبي ثور أنه يؤجل لها ثانية إذا عادت العنة ثانية . وهذا خطأ : لأنها قد وصلت بإصابة المرة الواحدة إلى مقصود النكاح من تكميل المهر وثبوت الحصانة ، ولا يبق إلا تلذذ الزوج بها ، وتلك شهوة لا يجبر عليها ، والله أعلم .

                                                                                                                                            وإذا ترك الزوج إصابتها لغير عنة ، فقد اختلف أصحابنا : هل يجب عليه إصابتها مرة أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما - وهو قول أبي إسحاق - : أنه قد يجوز أن يتزوج المجنون الذي لا يقدر على الوطء ، والقرناء التي لا يمكن وطئها ، ولو وجب الوطء لما جاز إلا نكاح من يمكنه الوطء لمن يمكن وطئها .

                                                                                                                                            والوجه الثاني - وهو قول أبي علي بن أبي هريرة - : أنه يجب عليه أن يطأها مرة واحدة في نكاحه : لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه لما كان الخيار لها في العيوب المانعة من الوطء دل على وجوب الوطء .

                                                                                                                                            والثاني : أنه مقصود النكاح من تكميل المهر ، والحصانة ، وطلب الولد لا يحصل إلا بالوطء ، فاقتضى أن يجب فيه الوطء .

                                                                                                                                            فإذا قيل بالوجه الأول : أنه لا يجب ، فلا خيار لها ولا تأجيل .

                                                                                                                                            وإذا قيل بالوجه الثاني : أنه يجب ، فإن كان معذورا بمرض أو سفر أنذر بالوطء إلى وقت مكنته ، كما ينظر بالدين من إعساره إلى وقت يساره ، وإن كان غير معذور أخذه [ ص: 374 ] الحاكم إذا رافعته الزوجة إليه بالوطء أو الطلاق ، كما يأخذه المولى بهما ، ولم يؤجله : لأنه ليس بعنين ، ولا يطلق عليه الحاكم ، بخلاف المولى في أحد القولين بل يحبسه حتى يفعل أحد الأمرين من الوطء أو الطلاق ، فإذا وطئها مرة سقط لها مطالبته بالفرقة : لقول الله تعالى : ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف [ البقرة : 228 ] ودليلنا قول الله تعالى : وللرجال عليهن درجة [ البقرة : 228 ] فمن درجة الرجل على المرأة أن يلزمها إجابته إذا دعاها إلى الفراش ، ولا يلزمه إجابتها ، ولأنه لما كان رفع العقد بالطلاق إليه دونها كان الوطء فيه حقا له دونها : ولأنه لما كان الوطء في ملك اليمين حقا للمالك دون المملوكة ، كان الوطء في النكاح حقا للناكح دون المنكوحة ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية