الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " وكل ما أصيب في يديه بفعله أو غيره فهو كالغاصب فيه ، إلا أن تكون أمة فيطأها فتلد منه قبل الدخول ، ويقول : كنت أراها لا تملك إلا نصفها ، حتى أدخل فيقوم الولد عليه يوم سقط ويلحق به ، ولها مهرها ، وإن شاءت أن تسترقها فهي لها ، وإن شاءت أخذت قيمتها منه أكثر ما كانت قيمة ، ولا تكون أم ولد له ، وإنما جعلت لها الخيار ؛ لأن الولادة تغيرها عن حالها يوم أصدقها ، ( قال المزني ) : وقد قال : ولو أصدقها عبدا فأصابت به عيبا فردته ، أن لها مهر مثلها ، وهذا بقوله أولى ، ( قال المزني ) : وإذا لم يختلف قوله أن لها الرد في البيع فلا يجوز أخذ قيمة ما ردت في البيع ، وإنما ترجع إلى ما دفعت ، فإن كان فائتا فقيمته ، وكذلك [ ص: 457 ] البضع عنده كالمبيع الفائت ، ومما يؤكد ذلك أيضا قوله في الخلع : لو خلعها بعبد فأصاب به عيبا أنه يرده ويرجع بمهر مثلها فسوى في ذلك بينه وبينها ، وهذا بقوله أولى " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما الصداق فقد ذكرنا أنه مضمون على الزوج ، فإن طلبته فمنعها فضمانه عليه ضمان غصب أكثر ما كان قيمة ، وإن لم تطلبه ففي كيفية ضمانه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : ضمان عقد .

                                                                                                                                            والثاني : ضمان غصب .

                                                                                                                                            وأما النماء : فإن منعها منه فهو مضمون عليه ، وإن لم يمنعها منه ، ففي ضمانه عليه قولان إلا أن يكون هو المتلف له ، فيلزمه ضمانه قولا واحدا .

                                                                                                                                            فأما إذا أصدقها أمة ، ولم يدخل بها حتى وطئ الأمة ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون عالما بالتحريم ، فالحد عليه واجب ، فإن أكرهها فعليه مهر مثلها ، وإن طاوعته ، ففي وجوب المهر قولان :

                                                                                                                                            أصحهما : أنه لا مهر عليه ؛ لأنها قد صارت بالمطاوعة بغيا ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مهر البغي .

                                                                                                                                            والقول الثاني - وهو اختيار ابن سريج - : أن المهر واجب عليه ؛ لأنه ملك لسيدها ، فلا يسقط ببذلها لها ومطاوعتها ، كما لو بذلت قطع يدها لم يسقط غرم ديتها ، فإن أولدها فالولد مملوك لا يلحق به ؛ لأنه ولد زنا .

                                                                                                                                            فإن نقصتها الولادة والأمة في يده فنقصها مضمون عليه ، وفي ضمانه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه مضمون عليه بأرشه ، وليس له الفسخ مع بقاء العين ، وهذا على قوله في القديم : إن تلف الصداق موجب لقيمته .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أنه مضمون عليه بخيارها في المقام أو الفسخ .

                                                                                                                                            فإن أقامت : أخذتها ناقصة ولا أرش لها .

                                                                                                                                            وإن فسخت : رجعت بمهر المثل .

                                                                                                                                            وهذا على قوله في الجديد : إن تلفه موجب لمهر المثل .

                                                                                                                                            فإن ملك الولد لم يعتق عليه ؛ لأن نسبه غير لاحق به ، وإن ملك الأم لم تصر له أم ولد ؛ لأنه لم يلحق به ولدها .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون جاهلا بالتحريم ؛ لإسلامه حديثا ، أو قدومه من بادية نائية ، أو يدعي شبهة أنه مالكي ، يعتقد أنها لم تملك بالعقد إلا نصفها ، وإن نصفها باق على ملكه ، فهذا والجهل بالتحريم سواء في كونهما شبهة يدرأ بها الحد ، ويجب بها المهر في المطاوعة [ ص: 458 ] والإكراه ، ويلحق به الولد ويكون حرا ؛ لأنه وطئ في شبهة ملك ، وعليه قيمته يوم وضعته ؛ لأنه أول أحوال تقويمه ، وإن كان بالعلوق قد صار حرا .

                                                                                                                                            فأما الأم : فهي على ملك الزوجة ، والكلام في خيارها إن حدث بها نقص على ما مضى ، ولا تصير له أم ولد قبل أن يملكها ، فإن ملكها ففي كونها أم ولد بذلك الإيلاد قولان ذكرناهما في مواضع كثيرة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية