الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو أصدق أربع نسوة ألفا ، قسمت على قدر مهورهن ، كما لو اشترى أربعة أعبد في صفقة ، فيكون الثمن مقسوما على قدر قيمتهم ، ( قال المزني ) رحمه الله : نظيرهن أن يشتري من أربع نسوة من كل واحدة عبدا بثمن واحد ، فتجهل كل واحدة منهن ثمن عبدها ، كما جهلت كل واحدة منهن مهر نفسها ، وفساد المهر بقوله أولى " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها في رجل تزوج أربع زوجات في عقد وأصدقهن ألفا ، فإن بين منها مهر كل واحدة منهن صح النكاح والمهر ، وإن لم يبين فالنكاح صحيح وفي المهر قولان . وهكذا لو خالع أربع زوجات في عقد بألف صح الخلع ، وفي صحة البدل قولان .

                                                                                                                                            ولو كاتب أربعة عبيد له في عقد بألف إلى نجمين ، ففي أصل الكتابة قولان .

                                                                                                                                            [ ص: 467 ] فيكون القولان في بدل النكاح والخلع مع صحة النكاح والخلع ، والقولان في الكتابة في أصلها ؛ لأن فساد البدل في الكتابة مبطل لها ، وليس فساد البدل في النكاح والخلع مبطلاهما :

                                                                                                                                            أحد القولين في ذلك صحيح ووجهه شيئان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن تزويجه بأربع في عقد على صداق ألف كابتياعه أربعة أعبد في عقد بألف ، وذلك يجوز إجماعا ، فكذلك يجوز هذا حجاجا .

                                                                                                                                            والثاني : أنه معقود بما يعلم به مهر كل واحدة منهن في ثاني حال بأن يقسط الألف على مهور أمثالهن ، وإن كان مجهولا في الحال فلم يمنع ذلك من الصحة ، كما لو اشترى صبرة طعام كل قفيز بدرهم صح البيع ، وإن جهل الثمن في الحال ؛ لأنه معقود بما يصير معلوما في ثاني حال .

                                                                                                                                            والقول الثاني - وهو الأصح ، اختاره المزني - : كل ذلك باطل ، ووجهه شيئان :

                                                                                                                                            أحدهما - ذكره أصحابنا - : وهو أن مهر كل واحدة منهن من الألف مجهول في حال العقد ، فلم يصح وإن أمكن العلم به من بعد العقد ، كما لو تزوج كل واحدة منهن على انفرادها بقسط مهر مثلها من الألف لم يجز على الانفراد ، فكذلك مع الاجتماع .

                                                                                                                                            والثاني : ذكره المزني ، أن تزوجه لهن بالألف كابتياعه أربعة أعبد منهن بألف ، وهو في البيع باطل ، فكذلك في الصداق باطل ؛ لأن ما بطل به أحدهما من الجهالة بطل به الآخر ، فاختلف أصحابنا فيما ذكره المزني .

                                                                                                                                            فكان أبو العباس بن سريج يخرج هذا البيع على قولين كالصداق والخلع والكتابة ، ويسوي بين الجميع ، فعلى هذا لا يكون فيه دليل .

                                                                                                                                            وقال أبو إسحاق المروزي وأبو سعيد الإصطخري - وهو قول الأكثرين من أصحابنا - : أنه باطل ، قولا واحدا ، وإن كان الصداق على قولين ، وفرقوا بينهما من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه لما لم يبطل النكاح بفساد الصداق ، لم يبطل الصداق بالجهالة به وقت العقد .

                                                                                                                                            والثاني : أن المقصود من البيع الثمن ، فجاز أن يبطل بالجهالة به وقت العقد ، وليس المقصود من النكاح الصداق ، فجاز أن يصح ، وإن كان مجهولا وقت العقد إذا انتفت عنه الجهالة من بعد .

                                                                                                                                            فأما توجيه القول الأول بأن تزويجهن على صداق ألف كابتياع أربعة أعبد من رجل بألف ، فغير صحيح ؛ لأن العقد إذا كان في كل واحد من جهتيه عاقد واحد كان عقدا واحدا ، وإذا كان في أحد جهتيه عاقدان كان عقدين ؛ ألا ترى لو اشترى رجل من رجلين عبدا ووجد بالعبد عيبا كان له رد نصف العبد على أحدهما دون الآخر ، ولو اشتراه من واحد لم يكن له ؛ لأن شراءه من اثنين يكون عقدين ، ومن الواحد يكون عقدا واحدا . كذلك إذا تزوج أربعا [ ص: 468 ] بألف كانت أربعة عقود ، فبطل البدل للجهالة ببدل كل عقد ، ولو اشترى أربعة أعبد من رجل بألف كان عقدا واحدا ، فلم يبطل ؛ لأن الثمن فيه واحد معلوم .

                                                                                                                                            وأما اعتبار ذلك بالصبرة من الطعام ، فالفرق بينهما من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن ثمن أجزاء الصبرة معلوم ، فصار جميع الثمن به معلوما ، وليس كذلك مهور الأربع .

                                                                                                                                            والثاني : أن ما ينتهي إليه العلم بثمن الصبرة تحقق ، فصار الثمن به معلوما ، وما ينتهي إليه العلم بمهر مثل كل واحدة منهن تقريب ؛ لأنه عن اجتهاد ، يختلف فيه المجتهدون ، فصار المهر مجهولا .

                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر ما ذكرنا من توجيه القولين :

                                                                                                                                            فإذا قلنا ببطلان الصداق ، كان لكل واحدة منهن مهر مثلها .

                                                                                                                                            وإذا قلنا بصحته ، قسمت الألف على مهور أمثالهن ، وكان لكل واحدة منهن قسطا من الألف .

                                                                                                                                            مثاله : أن يكون مهر مثل واحدة ألفا ، ومهر الثانية ألفين ، ومهر الثالثة ثلاثة آلاف ، ومهر الرابعة أربعة آلاف ، فنجعل الألف المسماة مقسطة على عشرة آلاف ؛ لأنها في مقابلتها فتكون التي مهر مثلها ألف عشر الألف ، وذلك مائة درهم ، وللتي مهر مثلها ألفان ، خمس الألف ، وذلك مائتا درهم ، وللتي مهر مثلها ثلاثة آلاف ثلاثة أعشار الألف وذلك ثلاثمائة درهم ، وللتي مهر مثلها أربعة آلاف خمسا الألف وذلك أربعمائة درهم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية