الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ضمان نفقة الزوجة من الزوج الملط ]

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو ضمن نفقتها أبو الزوج عشر سنين ، في كل سنة كذا ، لم يجز ضمان ما لم يجب ، وأنه مرة أقل ومرة أكثر " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح .

                                                                                                                                            إذا كان الزوج ملطا بنفقة زوجته ، وضمنها عنه أبوه ، أو غير أبيه من جميع الناس فسواء .

                                                                                                                                            وهو على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يضمن نفقة ما مضى من الزمان ، فهذا ضمان مال قد وجب واستقر ، فيصح ضمانه إذا كان معلوم القدر ، ومن جنس يستقر ثبوته في الذمة .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يضمن نفقة المستقبل ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون مجهول المدة ، مثل أن يضمن لها نفقتها أبدا ، فهذا ضمان باطل ؛ لأن ضمان المجهول باطل .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون معلوم المدة مثل أن يضمن لها نفقتها عشر سنين ، ففي الضمان قولان - بناء على اختلاف قولي الشافعي في نفقة الزوجة بماذا وجبت - :

                                                                                                                                            فأحد قوليه - وهو في القديم ، وهو قول مالك - : أنها وجبت بالعقد وحده ، وتستحق قبضها بالتمكين الحادث بعده كالصداق الواجب بالعقد والمستحق بالتمكين .

                                                                                                                                            والقول الثاني - وهو قوله في الجديد - : أنها تجب بالتمكين الحادث بعد العقد ، وبه قال أبو حنيفة بخلاف الصداق ؛ لأن الصداق في مقابلة العقد ، فصار واجبا بالعقد ، والنفقة في مقابلة الاستمتاع ، فصارت واجبة بالاستمتاع .

                                                                                                                                            فإذا تقرر هذان القولان في وجوب النفقة ، كان ضمانها مبنيا عليهما .

                                                                                                                                            [ ص: 511 ] فإن قلنا : إنها لا تجب إلا بالتمكين يوما بيوم ، فضمانها باطل ؛ لأنه ضمان ما لم يجب ، وقد يجب بالتمكين ، وقد لا يجب بعده .

                                                                                                                                            وإذا قلنا : إنها وقد وجبت بالعقد جملة وتستحق قبضها بالتمكين يوما بيوم ، صح ضمانها بشرطين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون ضمانه للقوت الذي هو الحب من الحنطة أو الشعير ، بحسب قوت بلدهم دون الأدم والكسوة ؛ لأنهما لا يضبطان بصفة ولا يتقدران بقيمة ، فإن قدرهما الحاكم بقيمة جعلهما دراهم معلومة ، لم يصح ضمانها أيضا ؛ لأنه وإن قومها فهي مقومة لوقتها دون المستقبل ، وقد تزيد القيمة في المستقبل فيكون للزوجة المطالبة بفضل القيمة ، وقد ينقص فيكون للزوج أن ينقصها من القيمة .

                                                                                                                                            والشرط الثاني : أن يكون ضمانه لنفقة المعسر التي لا تسقط عن الزوج باختلاف أحواله ، وهي مد واحد في كل يوم ، فإن ضمن لها نفقة موسر وهي مدان ، أو نفقة متوسط وهي مد ونصف ، فالزيادة على نفقة المعسر قد تجب إن أيسر ، وقد لا تجب إن أعسر ، فصار ضمانها ضمان ما لم يجب ، فعلى هذا يكون الضمان فيما زاد على المد في نفقة المعسر باطلا ، وهل يبطل في المد الذي هو نفقة المعسر أم لا ؟ على قولين من تفريق الصفة ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية