الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما أبو حنيفة فاستدل على أن كفارة الظهار لا تجب في الذمة بقوله تعالى : فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا فاعتبر في الأمر بها الإصابة ، فاقتضى أن لا تجب قبلها ثم قدمها على الإصابة فاقتضى أن لا تجب بها ، لأن الوجوب المتعلق بسبب لا يجوز أن يكون قبل وجود السبب ، واقتضى أن لا تجب بعد الإصابة لأنه أمر بالتكفير قبلها فامتنع بهذا التنزيل أن يثبت في الذمة .

                                                                                                                                            [ ص: 449 ] واستدل على إبطال ما ذكرنا من العود مع ما قدمناه من دلائل المخالفين لنا ، بأن العود لو كان هو الإمساك عن طلاقها بعد الظهار لوجب إذا ظاهر من الرجعية أن يصير عائدا إن أمسك عن طلاقها وأن لا يكون مظاهرا لما قد تقدم من طلاقها قال : وأنتم تقولون يكون مظاهرا ولا يكون عائدا فبطل ثبوت ظهاره أن يكون الطلاق رافعا وبطل بإسقاط عوده أن يكون الإمساك عودا ، قال : ولأن الإمساك بعد الظهار استصحاب له، والمستصحب للشيء لا يكون مخالفا له، والمخالف للشيء لا يكون عائدا إليه فبطل أن يكون الإمساك عودا ، قال : ولأن العود إلى الشيء لا يكون إلا بعد المفارقة له، والمحل لا يكون مفارقا فلم يصر عائدا .

                                                                                                                                            والدليل عليه مع ما قدمناه من الدلائل على مخالفينا قوله تعالى ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة فأوجب الكفارة بالظهار والعود ؛ لأنه جعله شرطا عقبه بالجزاء، والجزاء إذا علق بشرط اقتضى وجوبه عند وجود الشرط ، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أوس بن الصامت بالكفارة قبل وطئه، وأمره على الوجوب فدل على ثبوت الكفارة في الذمة قبل الوطء وبعده وأن ليس الوطء شرطا في الوجوب ، ولأن الكفارة المتعلقة بسبب تقتضي الوجوب عند وجود ذلك السبب اعتبارا بسائر الكفارات ، ولأنه تكفير بعتق فجاز أن يثبت في الذمة قياسا على الكفارة القتل .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن استدلاله بأن الله تعالى علق وجوب الكفارة بالإصابة ، فهو أنه علقها بالعود بعد الظهار ومنع الإصابة قبلها، فبطل ما فهمته فيه وسقط الاستدلال بها .

                                                                                                                                            وأما الجواب عما ذكره من ظهار الرجعية فهو أن العود عندنا هو الإمساك عن تحريمها بعد الظهار والرجعية محرمة فلم يصر بترك الطلاق عائدا ، والظهار يقع عليها إذا كانت في حكم الزوجية، والرجعية تجري عليها أحكام الزوجية، فوقع عليها الظهار، فلما اختلف عليه الظهار والعود جاز أن يثبت في الرجعة حكم الظهار دون العود .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن قوله إن المستديم لا يكون مخالفا والمخالف لا يكون عائدا ، فهو أنه استدام إمساكها، والظهار يمنع منه فصار مخالفا، والمخالف يجوز أن يسمى عائدا ؛ قال الله تعالى ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه [ المجادلة : 8 ] .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن العود يكون بعد المفارقة ، فهو أنه قد يكون العود قبل المفارقة قال الله تعالى حتى عاد كالعرجون القديم [ يس : 39 ] وأنه عائد إلى ما قبل الظهار فصار مفارقا، ولولا ما قدمناه مع من تقدم لكان الكلام مع أبي حنيفة أبسط وأطول .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية