الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما الجواب عن قوله تعالى : ثلاثة قروء [ البقرة : 228 ] يقتضي استكمالها ، والاعتداد بالأطهار مفض إلى الاقتصار على اثنين وبعض الثالث فمن ثلاثة أوجه : أحدها : أن القرء ما وقع الاعتداد به من قليل الزمان وكثيره ؛ لأنه لا فرق بين قليل الطهر وكثيره عندنا ، ولا فرق بين قليل الحيض وكثيره عندهم ، فصار الطهر الذي طلقت فيه قرءا كاملا وإن كان زمانه قليلا .

                                                                                                                                            والجواب الثاني : أنه قد ينطلق اسم الثلاث على الاثنين وبعض الثالث كما قال : الحج أشهر معلومات [ البقرة : 197 ] وهو شهران وبعض الثالث ، وكقولهم لثلاث خلون وهو يومان وبعض الثالث ، كذلك في الأقراء . والجواب الثالث : أن الطهر وإن أفضى إلى نقصان الثالث إذا طلقت فيه فالحيض مفض إلى الزيادة على الثالث إذا طلقت فيه ، فصار النقصان عندنا مساويا للزيادة عندهم في مخالفة الظاهر ثم عندهم أسوأ حالا من النقصان ، لأن الزيادة عندهم نسخ .

                                                                                                                                            [ ص: 171 ] وأما الجواب عن قوله : ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن [ البقرة : 228 ] فمن وجهين : أحدهما : أن قوله : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء [ البقرة : 228 ] كلام تام مختص بالعدة ، وقوله : ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن استئناف خطاب مبتدأ وليس بتفسير ؛ لما تقدم نهيت فيه عن كتم حملها أو حيضها ، فلم يكن فيه دليل . والثاني : أنه وإن كان تفسيرا عائدا لما تقدم ، فلا دليل فيه من وجهين : أحدهما : لا يحل لهن أن يكتمن الطهر والحيض جميعا فاستويا . والثاني : لا يحل لهن أن يكتمن الحيض ؛ لأن به ينقض الطهر . وأما الجواب عن قوله : فطلقوهن لعدتهن ولم يقل فيها من وجهين : أحدهما : أن الطلاق في الطهر المعتد به لا يكون طلاقا في العدة ؛ لأن العدة ما بعد زمان الطلاق . والثاني : أنه ليس يمتنع أن يكون قوله : لعدتهن أي في عدتهن كما قال : ونضع الموازين القسط ليوم القيامة [ الأنبياء : 47 ] أي في يوم القيامة . وأما الجواب عن قوله : فعدتهن ثلاثة أشهر [ الطلاق : 4 ] وأن الانتقال إلى البدل مخالف للمبدل فهو أنه مخالف له ؛ لأنها كانت تعتد بطهر مقدر بحيض ، فصارت بالإياس معتدة بطهر مقدر بالشهور .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم : طلاق الأمة طلقتان وعدتها حيضتان فمن وجهين : أحدهما : أنه ضعيف ، وقال أبو داود : مداره على مظاهر بن أسلم وهو ضعيف . والثاني : أنه يحمل على أن انقضاء عدتها يكون بحيضتين من غير أن يقع الاعتداد بالحيض ، لأن العدة مقدرة بالحيض والطهر عندنا وعندهم وإن كان المراد بها أحدهما . وأما الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش : اقعدي عن الصلاة أيام أقرائك فمن وجهين : أحدهما : أن هذه زيادة في الخبر ليست بثابتة . والثاني : أن القرء قد ينطلق على الحيض إما حقيقة أو مجازا إذا انضم إلى قرينة ، وإنما الخلاف فيه إذا أطلق . وأما الجواب عن قياسهم على الطرف الثاني : فهو أنه لا يسلم لهم الطرفان لأن [ ص: 172 ] الطرف الأول لا تنقضي عدتها عندهم إلا بالدخول في الطهر ، والطرف الأول لا يعتد فيه بالحيض إذا طلقت فيه فبطل . وأما الجواب عن قياسهم على الحمل فهو دليلنا ؛ لأن عدة الحامل لزمان كمونه ، والخروج منها بطهوره ، فقياسه أن تكون عدة الحائض زمان كمونه ، والخروج منها بظهوره .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن استدلالهم بأن في الحيض براءة الرحم من الحمل فهو أن انقضاء العدة تكون بالحيض وهو مبرئ ، وإن كان الاعتداد بغيره كالولادة تنقضي بها العدة وبرئ بها الرحم ، وإن كان الاعتداد بما تقدمها . وأما الجواب عن استدلالهم بالحيض في استبراء الأمة فمن وجهين : أحدهما : إن استبرأها على قول بعض أصحابنا يكون بالطهر كالحرة فاستويا . والثاني : أنه يكون بالحيض ، والحرة بالطهر ، والفرق بينهما من وجهين : أحدهما : أن استبراء الأمة لثبوت الملك ، واستبراء الحرة لزوال الملك ، فكان اختلاف الموجبين دليلا على اختلاف الحكمين . والثاني : أن استبراء الأمة موضع لاستباحة وطئها فكان بالحيض ليتعقبه الطهر المبيح ، واستبراء الحرة موضوع لاستباحة النكاح ، وعقد النكاح يجوز في الحيض كما يجوز في الطهر فاختلفا لاختلاف المقصود بهما والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية