الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله تعالى عنه : ( ولو طرحت ما تعلم أنه ولد مضغة أو غيرها حلت ( قال المزني ) رحمه الله تعالى : في كتابين لا تكون به أم ولد حتى يبين فيه من خلق الإنسان شيء وهذا أقيس ) . قال الماوردي : اعلم أن إسقاط الولد يتعلق به ثلاثة أحكام : أحدها : انقضاء العدة . والثاني : كونها أم ولد . والثالث : وجوب العدة . وله في هذه الأحكام ثلاثة أحوال : أحدها : أن تكون مضغة . والثاني : أن تكون دونها . [ ص: 197 ] والثالث : أن تكون فوقها ، وإن كان دون المضغة نطفة أو علقة لم يتعلق بإلقائه شيء من هذه الأحكام الثلاثة ، فلا تنقضي العدة ولا تصير به أم ولد ولا يجب فيه الغرة ؛ لأنه دم فصار كدم الحيض ولا يتم به القروء بخلاف الحيض ؛ لأنه لم يدم دوام الحيض ، فإن اتصل به الدم حتى صار يوما وليلة فهو دم حيض يتم به الطهر ولا يكون نفاسا ؛ لأن النفاس ما اتصل بوضع الولد ، فإن كان قوي المضغة فهو ما استكمل خلقه وتشكلت أعضاؤه ولم يبق عليه إلا التمام والاشتداد ، فهذا تتعلق الأحكام الثلاثة به فتنقضي به العدة وتصير به أم ولد وتجب فيه الغرة ويكون ما اتصل به من الدم نفاسا ، وإن كانت مضغة فلها ثلاثة أحوال : أحدها : أن يظهر فيه بعض الأعضاء من عين ، أو إصبع ، أو تبين فيه أوائل التخطيط وأوائل الصورة فتتعلق فيه الأحكام الثلاثة ، وسواء كان ذلك ظاهرا مشاهدا أو كان خفيا تفرقه القوابل عند إلقائه في الماء الجاري فتنقضي به العدة ، وتصير به أم ولد وتجب فيه الغرة .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن لا تبلغ هذه الحد وتضعف عن قوة الحمل المتماسك فيكون بالعلقة أشبه ؛ لأنه أول أحوال انتقاله عنها فلا يتعلق عليه شيء من الأحكام الثلاثة . والحال الثالثة : أن يكون لحما متماسكا قد تهيأ للانتقال إلى التصور والتخطيط ، ولم يبد فيه تصور ولا تخطط لا ظاهر ولا خفي ، فظاهر ما قاله الشافعي هاهنا في القديم أن العدة تنقضي به ، وظاهر ما قاله في أمهات الأولاد : أنها تصير به أم ولد فاختلف أصحابنا فيه على وجهين : أحدهما : أن جمعوا بين الحالتين وخرجوها على قولين : أحدهما : تنقضي به العدة وتصير به أم ولد وتجب فيه الغرة ؛ لأنه في مبادئ الخلقة فجرى عليه حكمها . والقول الثاني : لا تنقضي به العدة ولا تصير به أم ولد ولا تجب فيه الغرة ؛ لأنه لم يستقر به خلقه . والوجه الثاني : أن الجواب على ظاهره في الموضعين فتنقضي به العدة ولا تصير به أم ولد ولا تجب فيه الغرة . والفرق بينهما : أن العدة موضوعة لاستبراء الرحم ، وإلقاؤه وإن لم يتصور مستبرئ لرحمها كما لو تصور فلذلك انقضت العدة به ، وهي إنما تصير أم ولد إذا انطلق اسم الولد عليه وثبتت حرمته فتعدت إليها ، وهو قبل التصور لا ينطلق عليه اسم الولد استقرت له حرمة تعدت إليها ، فلذلك لم تصر به أم ولد ولم تجب فيه الغرة . [ ص: 198 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية