الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما القسم الرابع من أحوالها الأربعة وهو أن يمكن لحوقه بالأول وبالثاني ، فهو أن تضعه لأربع سنين فما دونها من طلاق الأول ، ولستة أشهر فما فوقها من دخول الثاني فيمكن أن يلحق بكل واحد منهما ؛ لأنه لم يزد على هذه أكثر الحمل في حق الأول ولا ينقص عن مدة أقل الحمل في حق الثاني فاستويا في لحوقه بهما ، وإذا كان كذلك وجب أن يدعى له القافة حتى يلحقوه بأحدهما ، فإن ألحقوه بالأول انقضت [ ص: 303 ] به عدته ، واستأنفت عدة الثاني بثلاثة أقراء ، وإن ألحقوه بالثاني انقضت به عدته وكملت عدة الأول بقرأين ، وإن لم يكن في القافة بيان وقف الولد إلى زمان الانتساب لينتسب بطبعه إلى أبيه منهما ، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن الرحم إذا تماست تعاطفت وفي زمان انتسابه ذكرا كان أو أنثى قولان : أحدهما : إذا استكمل سبع سنين ، وهو الزمان الذي يخير فيه بين أبويه . والقول الثاني : إذا بلغ ليجري عليه القلم فيكون لقوله حكم ، فإذا انتسب إلى أحدهما ألحق به وانقطعت عنه أبوة الآخر ، وإن توقف عن الانتساب أخذ به جبرا حتى ينتسب لما في ثبوت نسبه من حق له وعليه . فأما العدة : فقد انقضت بوضع الحمل إحدى العدتين ، لا بعينها ، وبقيت عليها إحداها لا بعينها ، ويجوز أن يكون بقرأين إن كان الولد لاحقا بالثاني أو ثلاثة أقراء إن كان لاحقا بالأول ، فلزمها أن تعتد أوفاهما وهو ثلاثة أقراء لتكون على يقين من قضائها ، وأما الرجعة فلا تخلو مراجعة الأول لها من أن يكون في الحمل أو في الأقراء فإن راجعها في الحمل كان معتبرا بحال الحمل فإن لحق بالثاني فرجعة الأول فيه باطلة ، وإن لحق بالأول ففي صحة رجعته وجهان حكاها أبو حامد الإسفراييني : أحدهما : تصح رجعته ؛ لأنها صادفت عدته . والوجه الثاني : لا تصح ؛ لأنه راجع على شك من استحقاق الرجعة ، وهذان الوجهان كمن باع دار أبيه يعتقد حياته ، وكان ميتا ففي صحة بيعه وجهان ، وإن راجع في الأقراء التي بعد الحمل نظر في رجعته ، فإن كان في القرء الثالث لم تصح الرجعة ؛ لأن القرء الأول لا يجوز أن تكون في عدته يقينا ؛ لأنه إن لحق به الحمل كانت عدته به ، والأقراء من الثاني ، وإن لم يلحق به الحمل كانت عدته قرأين ، وكان الثالث من غير عدته فلذلك بطلت رجعته فيه بكل حال ، وإن راجع في القرأين كان معتبرا بالحمل فإن كان لاحقا به بطلت رجعته في القرأين ؛ لأنهما في عدة الثاني ، وإن كان الحمل لاحقا بالثاني ، وكان القرآن من عدة الأول ففي صحة رجعته فيه وجهان : أحدهما : تصح ؛ لأنها صادفت عدته . والثاني : لا تصح لوجودها في زمان الشك ، وأما تزويجها فلا يجوز لغير الثاني أن يتزوجها ما لم تنقض عدتها ، فأما الثاني إذا قيل بالصحيح من الوجهين أنها لا تحرم عليه ، فلا يجوز له أن يتزوجها في مدة الحمل سواء لحق به أو لم يلحق ؛ لأنه إن لم يلحق به فهي معتدة من غيره ، وإن لحق به فعليها بعده عدة لغيره ، وإن تزوجها في الأقراء بعد الحمل نظر في حال تزويجه ، فإن كان في القرأين فهو باطل ؛ لأنه متردد بين أن يكون من عدته فيصح ، وبين أن يكون من عدة الأول فيبطل فصار مترددا بين [ ص: 304 ] حظر وإباحة فبطل ؛ لأن النكاح لا يستباح بالشك وسواء بان من بعد أنه من عدته أم لا ، بخلاف الرجعة في أحد الوجهين ؛ لأن النكاح عقد لا يجوز أن يكون موقوفا على خلوها من العدة ، والرجعة يصح أن تكون موقوفة على بقاء العدة ، وإن تزوجها في القرء الثالث صح النكاح ؛ لأنه متردد بين أن تكون فيه معتدة منه أو خالية من عدة ، وليس في واحد منهما مانع من نكاحها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية