الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر حكم ما أوضحنا من حكم النساء إذا انفردوا عن الرجال ، ومن حكم الرجال إذا انفردت عن النساء ترتبت على ذلك حكم اجتماع الرجال مع النساء ، فإذا اجتمعوا فأحق الرجال والنساء بالحضانة الأم ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم أنت أحق به ما لم تنكحي ولأنها مباشرة للولادة قطعا وإحاطة وهي في الأب مظنونة ، ولأنها أكثر حنوا وإشفاقا ، ولأنها بتربيته أخبر وعلى التشاغل لحضانته أصبر ، فإذا أعدمت الأم فأمها ؛ لأنها تلي الأم في معانيها ثم أمهاتها وإن علون يتقدمن على الأب مع قربه . فإذا عدمت الأم وأمهاتها انتقلت الحضانة إلى الأب ، ولا وجه لما دل فيه أبو سعيد الإصطخري من تقديم من أدلى بالأم من النساء كالخالات والأخوات من الأم على الأب : لأن في الأب من الولادة ، والاختصاص بالنسب ، وفضل الحنو والشفقة ما لا يكون فيمن عدم الولادة ويكون من اختص بالولادة من الرجال والنساء أحق بالحضانة فمن عدم الولادة ، فإن تساوى في الولادة أبوان قدمت الأم على الأب بالأنوثية المختصة بالتربية ، فعلى هذا ينتقل بعد الأم وأمهاتها إلى الأب ، فإن عدم انتقلت إلى أمه ، ومن علا تقدم على أبيه ، فإن عدم أمهات الأب انتقلت إلى أبي الأب وهو الجد ، ثم أمهاته ثم إلى أبي الجد ثم أمهاته على هذا ، حتى تستوعب عمود الآباء والأمهات لا يتقدم عليهم مع وجود الولادة فيهم من عدمها ، فإذا عدم الآباء والأمهات فقد اختلف أصحابنا في مستحق الحضانة بعدهم على ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : أن جميع النساء من الأقارب أحق بالحضانة من جميع العصبات فتقدم الأخوات والخالات والعمات ، ومن أدلى بهم من البنات على جميع العصبات من الإخوة وبنيهم والأعمام وبنيهم لما فيهم من الأنوثية التي هي بالحضانة أخص مع الاشتراك في القرابة ، وإن تفاضلوا فيها .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن جميع العصبات بعد الآباء والأمهات أحق من جميع النساء من الأخوات والخالات والعمات ، ومن يدلي بهن من بناتهن لاختصاص العصبات بالنسب واستحقاقهم للقيام بتأديب المولود وتقويمه ولقوتهم باستحقاق ميراثه واختصاصهم بنقله إلى وطنهم ، فصاروا بذلك أحق بكفالته ، بخلاف من عدم هذه المعاني من النساء .

                                                                                                                                            [ ص: 520 ] والوجه الثالث : وهو أصحها أنه يترجح أحد الفريقين على العموم مع تفاضل الدرج ، ويترتبون ترتيب العصبات في درجته ؛ فالمساوي للأم في استحقاق الأقرب فالأقرب من الرجال والنساء ، فإن كان الرجال أقرب قدموا وإن كان النساء أقرب قدمن وإن استوى الرجال والنساء في الدرج قدم النساء فيها على الرجال لاختصاصهن بالأنوثية ، فعلى هذا ينتقل بعد الآباء والأمهات إلى الإخوة والأخوات ، فتقدمن الأخوات لأنوثتهن ثم تنتقل بعدهن إلى الإخوة ، فإذا عدموا انتقلت إلى بنات الأخوات ثم إلى بني الإخوة .

                                                                                                                                            فإذا اجتمع ابن أخت وابن أخ كانت بنت الأخ أحق من الأخت ، وإن كان مدليا بمن هو أحق اعتبارا بأنوثية المستحق فإذا عدم درجة الإخوة والأخوات المساوين للولد في درجته انتقلت بعدهم إلى الدرجة التي تليهم وهم من مساوي الأبوين في درجتهما الخالات ، والمساوين للأب في درجته الأعمام والعمات لإدلائهن بالأم التي هي أحق بالحضانة من الأب ، تنتقل بعدهن إلى العمات يتقدمون فيها على الأعمام ثم ينتقل بعدهن إلى الأعمام فإذا عدم الأعمام انتقلت إلى بنات الخالات ثم إلى بنات العمات ثم إلى بنات العم ثم إلى بني العم .

                                                                                                                                            فإذا عرفت هذه الدرجة انتقلت إلى الدرجة التي تليها ، وهي الدرجة التي تساوي درجة الجد والجدة فيساوي درجة الجدة خالات الأم وتساوي درجة الجد أعمام الأب وعماته فتنتقل الحضانة إلى خالات الأم ثم إلى خالات الأب ثم إلى عمات الأب ثم إلى أعمام الأب . ثم إلى أولادهم فتكون بعدهم لبنات خالات الأم ثم لبنات خالات الأب ثم لبنات عمات الأب ثم لبنات أعمام الأب ثم لبني أعمام الأب ثم تستعلى على هذا القياس درجة بعد درجة حتى تستوفي جميع الدرج ، والله أعلم بالصواب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية