الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو شهد عليه شاهدان بالردة فأنكره ، قيل : إن أقررت بأن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وتبرأ من كل دين خالف دين الإسلام ، لم يكشف عن غيره " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : إذا شهد شاهدان على رجل بالردة لم تسمع شهادتهما عليه مطلقة حتى يصفا ما سمعاه من قوله الذي يصير به مرتدا ، وسواء كانا من أهل العلم أو لم يكونا من أهله : لاختلاف الناس فيه . كما لا تسمع شهادتهما بالجرح حتى يصفا ما يكون به مجروحا .

                                                                                                                                            فإذا ثبت الشهادة ، سألناه عنها ، ولم يعرض لقتله قبل سؤاله : لجواز أن يكون قد تاب منها أو سيتوب .

                                                                                                                                            فلو قتله قاتل قبل سؤاله عزر ولا قود عليه ولا دية : لثبوت ردته إلا أن يقيم وليه البينة أنه تاب من ردته فيحكم بإسلامه ، ويسأل القاتل ، فإن علم بإسلامه ، وجب عليه القود .

                                                                                                                                            [ ص: 178 ] وإن لم يعلم بإسلامه ، ففي وجوب القود وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا قود عليه ، وعليه الدية : لأن تقدم ردته شبهة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : عليه القود : لأنه عمد قتل نفس محظورة .

                                                                                                                                            وإذا كان باقيا بعد الشهادة عليه بالردة ، وسئل عنها ، لم يخلو جوابه من اعتراف بها أو إنكار لها .

                                                                                                                                            فإن اعترف بها استتبناه ، فإن تاب وإلا قتلناه .

                                                                                                                                            وإن أنكرها ، قيل له : إنكارك لها مع قيام البينة بها تكذيب لشهود عدول ، لا ترد شهادتهم بالتكذيب ، وليس يلزمك الإقرار بها ، ولك المخرج من شهادتهم بإظهار الإسلام .

                                                                                                                                            فإذا أظهره : زالت عنه الردة وجرى عليه حكم الإسلام .

                                                                                                                                            فقد شهد شهود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم من المنافقين بكلمة الكفر ، فأحضرهم وسألهم ، فمنهم من اعترف وتاب ، ومنهم من أنكر وأظهر الإسلام ، فكف عن الفريقين ، وأجرى على جميعهم حكم الإسلام .

                                                                                                                                            فإذا أظهر المشهود عليه الإسلام - على ما سنذكره - قال الشافعي : لم يكشف عن غيره . ويحتمل ذلك منه تأويلين :

                                                                                                                                            أحدهما : لم يكشف عما شهد به الشهود من ردته .

                                                                                                                                            والثاني : لم يكشف عن باطن معتقده : لأن ضمائر القلوب لا يؤاخذ بها إلا علام الغيوب .

                                                                                                                                            روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ارتاب برجل في الردة ، فأظهر الإسلام .

                                                                                                                                            فقال له عمر : أظنك متعوذا به .

                                                                                                                                            فقال : يا أمير المؤمنين أما لي في الإسلام معاذ ؟

                                                                                                                                            فقال له عمر : بلى ، إن لك في الإسلام لمعاذا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية