الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي ، رحمه الله تعالى : " ولو أحرم في مركب ، ثم نوى السفر لم يكن له أن يقصر " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها في رجل نزل في مركب في بلد إقامته ، والمركب واقفا قد تهيأ للسفر ، وأحرم بالصلاة ، ثم خطف المركب ، وسار فصار الراكب مسافرا في حال صلاته فعليه إتمام الصلاة وليس عليه قصرها ، وهو مذهب الفقهاء كافة إلا من شذ منهم ، فجوز له القصر وهذا خطأ ، لأن الصلاة عبادة تختلف بالحضر ، والسفر ، فوجب إذا اجتمع فيها الحضر والسفر أن يغلب حكم الحضر ، أصله إذا أنشأ صوما في الحضر ثم سافر ، ولأنه إذا اجتمع في الصلاة حكم الإقامة والسفر وجب الأخذ بالأكثر كما لو شك هل صلى ثلاثا أو أربعا ؟ .

                                                                                                                                            ليس لراكب السفينة أن يصلي الفريضة قاعدا ، فإن لم يقدر على القيام لكثرة الزحام صلى قاعدا لحرمة الوقت ، وأعاد إذا قدر .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : إن كانت السفينة مربوطة لم تجز الفريضة إلا قائما ، وإن كانت سائرة أجزأته الفريضة قاعدا تعلقا بقوله صلى الله عليه وسلم : صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم فجوز [ ص: 382 ] في الظاهر صلاة القاعد ، وجعل القيام أفضل منه ، قالوا : ولأنها إذا كانت سائرة ، فهو غير مستقر ، وفرض القيام يسقط بزوال حال الاستقرار ، كالراكب في صلاة الخوف يصلي راكبا ويجزيه . ودليلنا قوله تعالى : وقوموا لله قانتين [ البقرة : 238 ] ، ولأن كل من لزمه فرض القيام في غير السفينة لزمه فرض القيام في السفينة ، أصله إذا صلى في سفينة مربوطة ، ولأنه ركن من أركان الصلاة ، فوجب أن لا يسقط في السفينة كالركوع ، والسجود ، والقراءة .

                                                                                                                                            فأما استدلاله بالخبر فمحمول على النافلة ، لأن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم ، فأما الفريضة فلا ، لأنه إذا كان قادرا على القيام لم يجز ، وإن كان عاجزا أجزأه كالقائم في الأجر سواء .

                                                                                                                                            وأما قوله : وإن كان غير مستقر كالخائف ، فالفرق بينهما أن الخوف عذر طرأ عليه من قبل غيره دون أن ينسب الخوف إلى فعله ، وركوب السفينة من فعله ، والعذر الداخل عليه من قبله ، فلما افترقا في المعنى افترقا في الإعادة ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية