الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وإن حملت فهكذا وتقوم عليه إن كان بها حمل وكانت له أم ولد " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها أن تحمل منه الجارية التي وطئها من المغنم ، فيتعلق بحملها أربعة أحكام بعد ثلاثة قدمنا ذكرها في اختصاصها بالوطء :

                                                                                                                                            أحدها : سقوط الحد .

                                                                                                                                            والثاني : وجوب التعزير مع العلم بالتحريم .

                                                                                                                                            والثالث : استحقاق المهر ، فأما الأحكام الأربعة المتعلقة بإحبالها :

                                                                                                                                            فأحدها : لحوق الولد به .

                                                                                                                                            والثاني : حريته .

                                                                                                                                            والثالث : وجوب قيمته .

                                                                                                                                            والرابع : أن تصير الجارية به أم ولد .

                                                                                                                                            فأما لحوق الولد فهو لاحق به ، سواء اعترف به أو لم يعترف ، إذا وضعته لزمان يمكن أن يكون منه .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : لا يلحق به ، وبناه على أصله في أن ولد الأمة لا يلحق بسيدها إلا بالاعتراف ، وعندنا يلحق بالفراش ، وقد صارت فراشا بهذا الوطء ؛ لأنه وطء شبهة يسقط فيه الحد فأشبه وطء الحرة .

                                                                                                                                            [ ص: 237 ] وأما حرية الولد فهو حر : لأنه لحق به عن شبهة ملك ، وعند أبي حنيفة يكون مملوكا لأنه لم يلحقه به .

                                                                                                                                            وأما قيمة الولد فتعتبر بحال الأم فيما يستقر لها من حكم ، والأم قد أحبلها في شبهة ملك ، وولد المملوكة ينقسم ثلاثة أقسام قد تكررت في كثير من هذا الكتاب :

                                                                                                                                            أحدها : ما تصير به المملوكة أم ولد ، هو أن تلد حرا من مالك كالسيد .

                                                                                                                                            والثاني : ما لا تصير به أم ولد ، وهو أن تلد مملوكا من غير مالك كالزوج .

                                                                                                                                            والثالث : ما اختلف قول الشافعي فيه وهو أن تلد حرا من غير مالك كالحر إذا وطئ أمة غيره بشبهة فلا تكون قبل أن يملكها الواطئ أم ولد ، وهل تصير له بعد ملكها أم ولد أم لا ؟ على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : تصير له أم ولد ، قاله في كتاب حرملة .

                                                                                                                                            والقول الثاني : لا تصير له أم ولد ، قاله في كتاب الأم ، وهذه الجارية السبية قد ولدت حرا في شبهة ملك ، ولها حالتان :

                                                                                                                                            إحداهما : أن يكون ذلك قبل قسمتها بين الغانمين .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن تكون بعد قسمتها بين القبائل .

                                                                                                                                            فأما الحال الأولى فهي أن يكون ذلك قبل قسمتها في الغانمين ، وهي مسألة الكتاب أن يطأها بعد السبي ، وقبل أن يتعين فيها حق أحد من الغانمين ، فهو على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكثر عدد الغانمين حتى لا ينحصر حق الواطئ من هذه الجارية ، فيكون واطئا لجارية لم يملكها ، ولا ملك شيئا منها ، وإنما له فيها شبهة ملك وهو أنه يملك منها في الحال أن يتملكها في ثاني حال ، فهل تصير أم ولد بحبلها إذا ملكها أم لا ؟ على قولين ، فعلى هذا قد اختلف أصحابنا هل تقوم عليه قبل الولادة لأجل علوقها منه بحر ، على ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : لا تقوم عليه موسرا كان أو معسرا ، سواء قيل : إنها تصير له أم ولد إذا ملكها أم لا ؟ كما لا تقوم عليه أمة غيره إذا أحبلها بشبهة ، فعلى هذا يكون عليه قيمة ولدها إذا وضعته ، فإن قسمت فصارت في سهمه ، فهل تصير له أم ولد أم لا ؟ على ما ذكرنا من القولين .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : تقوم عليه ، سواء قيل : إنها تصير له أم ولد إذا ملكها أم لا : لأنها حامل منه بحر ، وفي قسمها قبل ولادته ضرر على ولده ، وفي تأخيرها إلى الولادة ضرر على الغانمين فوجب أن تؤخذ بقيمتها : لأجل الضرر الحادث عن فعله ، فإن [ ص: 238 ] كانت قيمتها بقدر سهمه من المغنم حصلت قصاصا ، وإن كانت أكثر رد الفضل ، وإن كانت أقل دفع الباقي ، فإذا وضعت لم يلزمه قيمة ولدها ، وهل له بيعها أم لا ؟ على قولين : يجوز له بيعها في أحدهما إذا قيل : إنها لا تصير له أم ولد .

                                                                                                                                            والوجه الثالث : أنها تقوم عليه إذا قيل : إنها تصير له أم ولد إذا ملكها ، ولا تقوم عليه إذا قيل : إنها لا تصير أم ولد إذا ملكها ، اعتبارا بما يتعدى إليها من حكم إيلاده ، فعلى هذا إن قومت عليه لم يلزمه قيمة ولدها ، وإن لم تقوم عليه لزمه قيمة ولدها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية