الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وعلى من بعده من الخلفاء إنفاذه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح . إذا اجتهد الإمام في الهدنة حتى عقدها ثم مات أو خلع لزم من بعده من الأئمة إمضاؤها إلى انقضاء مدتها ، ولم يكن له فسخها ، وإن استغنى المسلمون عنها لقول الله تعالى : فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم [ التوبة : 4 ] ، ولما روي أن نصارى نجران أتوا علي بن أبي طالب - عليه السلام - في ولايته ، وقالوا له : إن الكتاب بيدك ، وإن الشفاعة إليك ، وإن عمر أجلانا من أرضنا ، فردنا إليها ، فقال : إن عمر كان رشيد الأمر ، وإني لا أغير أمرا فعله .

                                                                                                                                            ولأن ما نفذ بالاجتهاد ولم يجز أن يفسخ بالاجتهاد كالأحكام ، فإن كان عقد الهدنة فاسدا ، فإن كان فسادها من طريق الاجتهاد لم تفسخ لنفوذ الحكم بإمضائها ، وإن كان فسادها من نص أو إجماع فسخت .

                                                                                                                                            ولم يجز الإقدام على حربهم إلا بعد إعلامهم بفساد الهدنة ، وقد تظاهر يهود خيبر بكتاب نسبوه إلى علي - عليه السلام - أنه كتبه لهم في وضع الجزية عنهم ، ولم ينقله أحد من الرواة عنه ، فلم يجز قبول قولهم فيه ، ولو كان صحيحا لجاز أن يكون لسبب اقتضاه الوقت ، ثم سقط : لأنه لا يستجيز أن يعاملهم بما يعدل فيه عن كتاب الله تعالى ، وقوله : حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون [ التوبة : 29 ] ولذلك لم يعمل عليه الفقهاء ، وأوجبوها عليهم كغيرهم من اليهود .

                                                                                                                                            وتفرد أبو علي بن أبي هريرة بإسقاطها عنهم : لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاملهم على [ ص: 370 ] نخيل خيبر حين فتحها ، وهذا خطأ : لأن المعاملة لا تقتضي سقوط الجزية .

                                                                                                                                            وينبغي للإمام إذا هادن قوما أن يكتب عقد الهدنة في كتاب يشهد فيه المسلمون ، ليشمل به الأئمة بعده ، ويجوز أن يقول فيه : لكم ذمة الله وذمة رسوله وذمتي ، وكذا في الأمان : لكم أمان الله وأمان رسوله وأماني ، وحرم بعض الفقهاء ذلك ، وكرهه آخرون : لأنه ربما خفرت الذمة ، فأفضى ذلك إلى أن تخفر ذمة الله وذمة رسوله ، وهذا خطأ : لأن معناه : أن لكم ما أوجبه الله ورسوله من الوفاء بالذمة والأمان ، فلم ينسب إليهما ما تخفر به ذمتهما .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية