الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإذا تقرر توجيه القولين في جواز الصلاة بإمامين ، فلا يخلو حال الصلاة التي أحدث الإمام فيها من أحد أمرين : إما أن تكون صلاة الجمعة أو غيرها فإن كانت صلاة الجمعة : وهي مسألة الكتاب فإن قلنا : إن الاستخلاف في الصلاة لا يجوز . لم يخل حدث الإمام من أحد أمرين : إما أن يكون في الركعة الأولى أو في الثانية . فإن كان حدثه في الركعة الأولى : بنوا على الظهر ، لا يختلف مذهب الشافعي وسائر أصحابنا . وإن كان في الركعة الثانية : فمذهب الشافعي أنهم يبنون على الظهر ، لإخلالهم باستدامة الجماعة التي هي شرط في صحة الجمعة ، وعلى قياس مذهب المزني في مسألة الانفضاض يبنون على الجمعة .

                                                                                                                                            فإذا قلنا : يجوز الاستخلاف في الصلاة ، فلا يجوز أن يستخلف من أحرم بعد حدثه لا يختلف : لأنه لم يعلق صلاته بصلاته ، وإنما يستخلف من أحرم قبل حدثه ، ثم لا يخلو حدث الإمام من أحد أمرين : إما أن يكون في الركعة الأولى أو في الثانية .

                                                                                                                                            فإن كان في الركعة الأولى : جاز أن يستخلف من أحرم قبل حدثه ، سواء كان قد أدرك معه الإحرام أو الركوع ، ويبني هذا الإمام المستخلف . ومن خلفه من المأمومين على الجمعة .

                                                                                                                                            فإن كان حدثه في الركعة الثانية : لم تخل حاله من أحد أمرين : إما أن يكون حدثه قبل الركوع أو بعده . فإن كان قبل الركوع : جاز أن يستخلف من أحرم قبل حدثه ، سواء أدرك معه الركعة الأولى أم لا ، ويبني هو ومن خلفه من المأمومين على الجمعة : لأنه قد يدرك معهم منها ركعة . وإن أحدث بعد الركوع من الثانية : فإن استخلف من أدرك معه [ ص: 422 ] الركعة الأولى أو أدرك معه الركوع من الثانية جاز ، وبنى هذا المستخلف ومن خلفه من المأمومين على الجمعة .

                                                                                                                                            وإن استخلف من أحرم معه بعد ركوعه في الثانية وقبل حدثه : فقد اختلف أصحابنا في جواز استخلافه فقال بعض البغداديين : لا يجوز : لأنه لا يكون مدركا للجمعة . وقال آخرون : وهو قول الأكثرين إن استخلافه جائز وإن لم يدرك معه ركوع الثانية .

                                                                                                                                            ولعل هذا الاختلاف مبني على قول الشافعي في جواز صلاة الجمعة خلف الصبي الذي تصح له الجمعة .

                                                                                                                                            وإذا استخلفه بنى هذا الإمام على الظهر ، ويتم صلاته أربعا ، وبنى المأمومون على الجمعة ، وكانوا بالخيار بين أن ينتظروه لتكمل صلاته ثم يسلم بهم ، وبين أن يقدموا رجلا يسلم بهم ، وبين أن يسلموا لأنفسهم .

                                                                                                                                            فصل : فأما إن كانت الصلاة فرضا غير الجمعة : جاز أن يستخلف فيها من أحرم بعد حدثه ، والفرق بينها وبين الجمعة : أنه لما صح أداء الفرض منفردا صح استخلافه من لم يعلق صلاته بصلاته ، ولما لم يصح أداء الفرض منفردا لم يصح استخلافه من لم يعلق صلاته بصلاته .

                                                                                                                                            فإذا ثبت هذا نظر في حدث الإمام : فإن كان في الركعة الأولى قبل أن يركع فيها : فاستخلف من أحرم قبل حدثه أو بعده جاز . وإن كان حدثه في الركعة الثانية أو بعد ركوعه في الأولى : فإن استخلف من أحرم بعد حدثه لم يجز . والفرق بين أن يستخلف من أحرم بعد حدثه في الركعة الأولى فيجوز وفي الركعة الثانية فلا يجوز هو : أن هذا المحرم بعد حدثه يبني على صلاة نفسه لا على صلاة الأول ، وإذا كان ذلك في الركعة الأولى فقد اتفق فعله وفعل الإمام المحدث فجاز استخلافه ، وإذا كان في الركعة الثانية وبنى على فعل نفسه فإنه خالف فعل الإمام المحدث : لأنها له أولى ، فلذلك لم نجزه .

                                                                                                                                            أو كان قد أحرم قبل حدثه بنى على صلاة المحدث فجلس في موضع جلوسه وقام في موضع قيامه فجاز استخلافه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية