الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : روى مجاهد عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن أكل الجلالة وألبانها وروى نافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الجلالة والمجثمة وعن المصبورة .

                                                                                                                                            فأما الجلالة فهي التي ترعى الجلة ، وهي البعر والعذرة ، فحمل بعض أصحاب الحديث النهي على التحريم ، وبه قال سفيان الثوري ، وأحمد بن حنبل .

                                                                                                                                            وعندي أنه محمول على الكراهة دون التحريم ، لأن النهي عنها وارد ، لأجل ما تأكله من الأنجاس ، وهي تغتذيه في كرشها ، والعلف الطاهر ينجس في الكرش ، فساوى في حصوله منه حال النجس ، ولأن لحوم ما ترعى الأنجاس نتن ، وأكل اللحم إذا نتن يحرم ، وإذا كان هكذا فكلما كان أكثر غذائه رعي الأنجاس كان أكل لحمه وشرب لبنه مكروها .

                                                                                                                                            فأما ركوبه فيكره إذا كان عريا لنتن عرقه ، ولا يكره إذا كان موكفا أو مسرجا ، فإن كان أكثر ما يغتذيه طاهرا ، وإن اغتذى في بعضها نجسا لم يكره اعتبارا بالأغلب ، ويختار في الجلالة إذا أريد شرب لبنها أو أكل لحمها أن تحبس عن الأقذار بالعلف الطاهر في البعير أربعين يوما ، وفي البقرة ثلاثين يوما ، وفي الشاة سبعة أيام ، وفي الدجاجة ثلاثة أيام ، وليست هذه المقادير توقيفا لا يزاد عليه ، ولا ينقص منه ، لأن المقصود زوال ما أنتن من أبدانها ، والأغلب أنها تزول بهذه المقادير ، فإن زالت بأقل منها زالت الكراهة ، وإن لم تزل فيها بقيت الكراهة حتى تزول مما زاد عليها ، فإن أكل [ ص: 148 ] منها قبل علفها نظر في رائحة لحمها ، فإن لم يتغير بأكل النجاسة كان حلالا ، وإن تغير بها فإن كان يسيرا لم يستوعب رائحة تلك النجاسة حل أكله ، وإن كانت كثيرة قد استوعبت رائحة تلك النجاسة أو قاربها ، ففي إباحة أكله وجهان حكاهما ابن أبي هريرة :

                                                                                                                                            أحدهما : مباح ، لأنه من أصل مأكول .

                                                                                                                                            والثاني : أنه حرام ، لأنه قد صار من الخبائث ، وهكذا نقول في الجدي إذا ارتضع من لبن كلبة أو خنزيرة حتى نبت له لحمه كانت إباحة أكله على هذين الوجهين : فأما المجثمة التي روى ابن عباس النهي عنها ، فهي التي جثمت على الموت بضرب أو غيره ، وفرق بين الصيد الجاثم والمجثوم ، فالجاثم الممتنع ، ويحل أكله إذا جثم بحديدة ، والمجثوم المقدور عليه لا يحل أكله إلا بذكاة .

                                                                                                                                            والمصبورة : هي التي حبست عن الطعام والشراب حتى ماتت ، ولا يحل أكلها في ممتنع ، ولا مقدور عليه .

                                                                                                                                            وأما المختطفة ففيها وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : ما اختطفه السبع من الحيوان أكله حرام ، قاله ابن قتيبة .

                                                                                                                                            والثاني : أنها النهبة لاختطافها بسرعة ومنه سمي الخطاف لسرعته ، قاله ابن جرير .

                                                                                                                                            وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا تتخذوا ذا الروح غرضا وهو رمي الحيوان حتى يموت ، فإن كان من مقدور عليه حرم أكله ، وإن كان من ممتنع حل أكله ، إن كان بمحدد ، وحرم إن كان بمثقل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية