الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ومن الرماة من زعم أنهما إذا سميا قرعا يستبقان إليه فصارا على السواء ، أو بينهما زيادة سهم ، كان للمسبق أن يزيد في عدد القرع ما شاء ، ومنهم من زعم أنه ليس له أن يزيد في عدد القرع ما لم يكونا سواء ، ومنهم من زعم أنه ليس له أن يزيد بغير رضا المسبق ( قال المزني ) رحمه الله : وهذا أشبه بقوله كما لم يكن سبقهما في الخيل ولا في الرمي ولا في الابتداء إلا باجتماعهما على غاية واحدة ، فكذلك في القياس لا يجوز لأحدهما أن يزيد إلا باجتماعهما على زيادة واحدة وبالله التوفيق " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : قد ذكرنا في لزوم عقد السبق والرمي قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه لازم كالإجارة .

                                                                                                                                            والثاني : أنه جائز وليس بلازم ، كالجعالة ، ويترتب عليها مسألتان :

                                                                                                                                            إحداهما : في فسخ العقد ، فإن اجتمعا عليه صح ، وهل الفسخ إقالة مراضاة أو فسخ خيار على القولين :

                                                                                                                                            أحدهما : يكون إقالة مراضاة إن قيل بلزومه كالإقالة في البيع والإجارة .

                                                                                                                                            والثاني : فسخ خيار إن قيل بجوازه كالفسخ في القراض والجعالة .

                                                                                                                                            وإن انفرد أحدهما بالفسخ ، فإن قيل بلزومه كالإجارة لم يكن له التفرد بالفسخ ، وإن قيل بجوازه كالجعالة ، فإن كانا قبل الشروع في العمل جاز له الفسخ ، وإن كان بعده وقبل الغلبة ، فإن كان متساويين ومتقاربين لاستوائهما في الإصابة ، أو فضل أحدهما على الآخر بسهم كان لكل واحد منهما أن ينفرد بالفسخ ، وهو فسخ خيار ، وليس بإقالة ، وإن تفاضلا في الإصابة ، وظهرت على أحدهما للآخر قبل تمامهما ، فإن فسخ من ظهر أنه غالب جاز ، وإن فسخ من ظهر أنه مغلوب ، ففي جوازه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : يجوز لاستوائهما في خيار العقد .

                                                                                                                                            والثاني : لا يجوز لئلا يضاع على الغالب ما يلوح من وجوب حقه .

                                                                                                                                            وأما المسألة الثانية في زيادة الشرط ، وهو أن يعقداه على إصابة عشرة من عشرين ، فيجعل إصابة خمسة من عشرين أو يجعل إصابة عشرة من ثلاثين أو يعقد على أن العوض فيه دينار ، فيجعل أقل أو أكثر ، فإن قيل بلزومه كالإجارة ، ولم يصح [ ص: 228 ] ذلك من أحدهما حتى يجتمعا على فسخ العقد ، واستئناف عقد مستجد .

                                                                                                                                            وإن قيل بجوازه كالجعالة جاز أن ينفرد به أحدهما ، لكن لا يصير الآخذ داخلا فيه إلا أن يستأنف الرضا به ، وقيل لي : إن شئت أن تراميه على هذا ، وإلا ملك خيارك .

                                                                                                                                            فأما ما حكاه الشافعي عن الرماة من مذاهبهم ، فقد اختلف أصحابنا فيما أراد به على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أراد أن ما ذهب إليه من لزومه وجوازه وزيادته ، ونقصانه ، قد قاله غيره وتقدمه به .

                                                                                                                                            والثاني : أنه أراد أن يبين أصح مذاهبهم عنده : ليعلم صحيحها وفاسدها .

                                                                                                                                            وفي قول الشافعي : إذا سميا قرعا يستبقان إليه ثلاثة تأويلات :

                                                                                                                                            أحدها : أنه أراد بالقرع صحة الإصابة .

                                                                                                                                            والثاني : أنه أراد به عدد الإصابة .

                                                                                                                                            والثالث : أنه أراد به مال النضال .

                                                                                                                                            وأما المزني فإنه قال : كما لم يكن سباقهم في الخيل ، ولا في الرمي في الابتداء إلا باجتماعهما على غاية واحدة ، كذلك في القياس لا يجوز لأحدهما أن يزيد إلا باجتماعهما على زيادة واحدة فقد اختلف أصحابنا في مراد المزني بكلامه على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه أراد اختيار أحد القولين في لزوم العقد دون جوازه ، فعلى هذا يكون مصيبا في اختياره ، مخطئا في تعليله : لأن أظهر القولين لزومه ، فصح اختياره ، وعلل بأن ما لم ينعقد إلا باجتماع ، لم ينفسخ إلا بالاجتماع وهذا تعليل فاسد بالعقود الجائزة كلها من المضاربة والوكالة والجعالة لا تنعقد إلا باجتماعهما ويجوز أن ينفرد بالفسخ أحدهما .

                                                                                                                                            والثاني : أنه أراد به إذا دعا أحدهما في المسألة الثانية إلى زيادة أو نقصان أنه لا يلزم صاحبه إلا باجتماعهما عليه ، وهو موافق لقول الشافعي ، فعلى هذا يكون مخطئا في تأويله ، مصيبا في تعليله : لأن الشافعي لم يوجب على كل واحد منهما إلا ما اجتمعا على الرضا به في القولين معا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية