الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ويجمر بالعود حتى يعبق بها ثم يبسط أحسنها وأوسعها ثم الثانية عليها ثم التي تلي الميت ويذر فيما بينها الحنوط ، ثم يحمل الميت فيوضع فوق العليا منها مستلقيا ، ثم يأخذ شيئا من قطن منزوع الحب فيجعل فيه الحنوط والكافور ثم [ ص: 22 ] يدخله بين إليتيه إدخالا بليغا ويكثر ؛ ليرد شيئا إن جاء منه عند تحريكه إذا حمل وزعزع ، ويشد عليه خرقة مشقوقة الطرف تأخذ إليتيه وعانته ثم يشد عليه كما يشد التبان الواسع ( قال المزني ) لا أحب ما قال من إبلاغ الحشو ؛ لأن في ذلك قبحا يتناول به حرمته ، ولكن يجعل كالموزة من القطن فيما بين إليتيه وسفرة قطن تحتها ، ثم يضم إلى إليتيه والشداد من فوق ذلك كالتبان يشد عليه ، فإن جاء منه شيء يمنعه ذلك من أن يظهر منه ، فهذا أحسن في كرامته من انتهاك حرمته . ( قال الشافعي ) ويأخذ القطن فيضع عليه الحنوط والكافور فيضعه على فيه ومنخريه وعينيه وأذنيه وموضع سجوده ، وإن كانت به جراح نافذة وضع عليها ويحنط رأسه ولحيته بالكافور وعلى مساجده ، ويوضع الميت من الكفن بالموضع الذي يبقى منه من عند رجليه أقل مما يبقى من عند رأسه ، ثم يثني عليه ضيق الثوب الذي يليه على شقه الأيمن ثم يثني ضيق الثوب الآخر على شقه الأيسر كما وصفت ، كما يشتمل الحي بالسياج ثم يصنع بالأثواب كلها كذلك ، ثم يجمع ما عند رأسه من الثياب جمع العمامة ثم يرده على وجهه ثم يرد ما على رجليه على ظهور رجليه إلى حيث بلغ ، فإن خافوا أن تنتشر الأكفان عقدوها عليه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال . وقال الشافعي في كتاب الربيع : " ويجمر بالند " وإنما اخترنا ذلك ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : " اصنعوا بموتاكم ما تصنعون بعروسكم " ولأن ذلك أبلغ في كرامة الميت ، وأجمل في عشرة الحاضرين ، ثم قال الشافعي : ويبسط أحسن الأثواب الثلاثة وأوسعها ، ثم يبسط فوقه الذي يليه في الحسن ، ثم يبسط فوقه الذي هو دونها ، وإنما اخترنا أن يكون أحسنها أظهرها ؛ لأن ذلك أبلغ في جماله ، لأنه لو كان حيا لاختار له ذلك ، قال الشافعي : ويذر بينها الحنوط ، وهذا شيء لم يذكره غير الشافعي من الفقهاء ، وإنما اختاره ؛ لأن لا يسرع بلى الأكفان ، وليقيها عن بلل يمسها .

                                                                                                                                            قال الشافعي : " ثم يحمل الميت فيوضع فوق العليا منها مستلقيا ، ويأخذ شيئا من قطن منزوع الحب فيجعل فيه الحنوط والكافور ، ثم يدخل بين إليتيه إدخالا بليغا ، ويكثر ليرد شيئا إن جاء منه عند تحريكه إذا حمل ورغرغ ، ويشد عليه كما يشد التبان الواسع ، فإن كان به إنزال يخشى على الثوب منه فاحتاج أن يجعل فوق الخرقة مثل السفرة من لبود فعل ذاك " وإنما اختار هذا كله اتباعا للسلف ، وإكراما للميت ، وحفظا للأكفان .

                                                                                                                                            ولم يرد الشافعي بقوله : ويدخله إدخالا بليغا في الحلقة كما توهم المزني ؛ لأن في ذلك انتهاك حرمته ، وإنما أراد إدخالا بليغا بين الإليتين من غير انتهاك حرمته .

                                                                                                                                            [ ص: 23 ] قال الشافعي : " ويأخذ القطن فيضعه على الحنوط والكافور فيضعه على فيه ومنخريه وعينيه وأذنيه وموضع سجوده وجميع منافذه ، وإن كانت به جراح أو قروح وضع عليها ، ويحفظ رأسه ولحيته بالكافور ، وإنما اخترنا أن يفعل ذلك بمساجده وهي أعضاؤه السبعة لما روي في الحديث أن الله تعالى يوكل به من يذب عن موضع سجوده النار ولقوله تعالى : سيماهم في وجوههم من أثر السجود ، [ الفتح : 29 ] ، واخترنا أن يفعل ذلك في منافذه وجراحه حفاظا للخارج منه وصيانة للأكفان .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية