الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        في أحكام الجعالة

                                                                                                                                                                        فمنها : الجواز ، فلكل واحد من المالك والعامل فسخها قبل تمام العمل ، فأما بعد تمام العمل ، فلا أثر للفسخ ، لأن الدين لزم . ثم إن اتفق الفسخ قبل الشروع في العمل ، فلا شيء للعامل . وإن كان بعده ، فإن فسخ العامل ، فلا شيء له ، لأنه امتنع باختياره ولم يحصل غرض المالك . وإن فسخ المالك ، فوجهان . أحدهما : لا شيء للعامل كما لو فسخ بنفسه . والصحيح ، أنه يستحق أجرة المثل لما عمل ، وبهذا قطع الجمهور ، وعبروا عنه بأنه ليس له الفسخ حتى يضمن للعامل أجرة مثل ما عمل . ولو عمل العامل شيئا بعد الفسخ ، لم يستحق شيئا إن علم بالفسخ . فإن لم يعلم ، بني على الخلاف في نفوذ عزل الوكيل في غيبته قبل علمه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        تنفسخ الجعالة بالموت ، ولا شيء للعامل لما عمله بعد موت المالك . فلو قطع بعض المسافة ، ثم مات المالك فرده إلى وارثه ، استحق من المسمى بقدر عمله في الحياة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        ومن أحكامها : جواز الزيادة والنقص في الجعل ، وتغير جنسه قبل الشروع في [ ص: 274 ] العمل . فلو قال : من رد عبدي ، فله عشرة . ثم قال : من رده فله خمسة أو بالعكس ، فالاعتبار بالنداء الأخير . والمذكور فيه هو الذي يستحقه الراد ، لكن لو لم يسمع الراد النداء الأخير ، قال الغزالي : يحتمل أن يقال : يرجع إلى أجرة المثل . وأما بعد الشروع في العمل ، ففي كلام صاحب " المهذب " وغيره تقييد جواز الزيادة والنقص بما قبل العمل ، وفي كلام الغزالي قبل الفراغ . فالظاهر ، أنه في أثناء العمل يؤثر في الرجوع إلى أجرة المثل ، لأن النداء الأخير فسخ للأول ، والفسخ في أثناء العمل يقتضي أجرة المثل .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        ومن أحكامها ، توقف استحقاق الجعل على تمام الجعل على تمام العمل . فلو سعى في طلب الآبق ، فرده فمات في باب دار المالك قبل أن يسلمه إليه ، أو هرب ، أو غصب ، أو تركه العامل فرجع ، فلا شيء للعامل ، لأنه لم يرد .

                                                                                                                                                                        قلت : ومنه لو خاط نصف الثوب فاحترق ، أو تركه ، أو بنى بعض الحائط فانهدم ، أو تركه ، فلا شيء للعامل ، قاله أصحابنا . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا رد الآبق ، لم يكن له حبسه لاستيفاء الجعل ، لأن الاستحقاق بالتسليم ، ولا حبس قبل الاستحقاق .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال : إن علمت هذا الصبي ، أو إن علمتني القرآن ، فلك كذا ، فعلمه البعض ، [ ص: 275 ] وامتنع من تعليم الباقي ، فلا شيء له ، وكذا إن كان الصبي بليدا لا يتعلم ، لأنه كمن طلب العبد فلم يجده . ولو مات الصبي في أثناء التعليم ، [ استحق أجرة ما علمه ، لوقوعه مسلما بالتعليم ، بخلاف رد الآبق ، وإن منعه أبوه من التعلم ] فله أجرة المثل لما علمه .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية