الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        وأما المسجد ، فالجلوس فيه يكون لأغراض .

                                                                                                                                                                        منها : أن يجلس ليقرأ عليه القرآن أو الحديث أو الفقه ونحوها ، أو ليستفتى . قال أبو عاصم العبادي والغزالي : حكمه كمقاعد الأسواق ، لأن له غرضا في ملازمته ذلك الموضع ليألفه الناس . وقال الماوردي : متى قام بطل حقه وكان السابق أحق به ، والأول أشبه بمأخذ الباب .

                                                                                                                                                                        [ ص: 297 ] قلت : هذا المنقول عن الماوردي ، حكاه في الأحكام السلطانية عن جمهور الفقهاء . وعن مالك - رضي الله عنه - : أنه أحق ، فمقتضى كلامه : أن الشافعي وأصحابه ، من الجمهور - رضي الله عنهم - . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ومنها : أن يجلس للصلاة ، فلا اختصاص له في صلاة أخرى . وأما الصلاة الحاضرة ، فهو أحق . فإن فارق بغير عذر ، بطل حقه فيها أيضا . وإن كان بعذر ، فإن فارق لقضاء حاجة ، أو تجديد وضوء ، أو رعاف ، أو إجابة داع ونحوها ، لم يبطل اختصاصه على الصحيح ، للحديث الصحيح ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا قام أحدكم من مجلسه - في المسجد - فهو أحق به إذا عاد إليه ، ولا فرق على الوجهين بين أن يترك إزاره ، أم لا ، ولا بين أن يطرأ العذر بعد الشروع في الصلاة ، أو قبله ، وإن اتسع الوقت . ومنها : الجلوس للبيع والشراء والحرفة ، وهو ممنوع منه .

                                                                                                                                                                        قلت : ومنها : الجلوس للاعتكاف ، وينبغي أن يقال : له الاختصاص بموضعه ما لم يخرج من المسجد إن كان اعتكافا مطلقا . وإن نوى اعتكاف أيام ، فخرج لحاجة جائزة ، ففي بقاء اختصاصه إذا رجع احتمال ، والظاهر بقاؤه ، ويحتمل أن يكون على الخلاف فيما إذا خرج المصلي لعذر . ومنها : الجالس لاستماع الحديث والوعظ ، والظاهر أنه كالصلاة فلا يختص فيما سوى ذلك المجلس ولا فيه إن فارقه بلا عذر ، ويختص إن فارق بعذر على المختار . ويحتمل أن يقال : إن كان له عادة بالجلوس بقرب كبير المجلس ، وينتفع الحاضرون بقربه منه لعلمه ونحو ذلك ، دام اختصاصه في كل مجلس بكل حال .

                                                                                                                                                                        [ ص: 298 ] وأما مجلس الفقيه في موضع معين حال تدريس المدرس في المدرسة أو المسجد ، فالظاهر فيه دوام الاختصاص ، لاطراد العرف ، وفيه احتمال . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        يمنع الناس من استطراق حلق القراء والفقهاء في المسجد توقيرا لها .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال الإمام : لا شك في انقطاع تصرف الإمام وإقطاعه عن بقاع المسجد ، فإن المساجد لله تعالى ، ويخدشه شيئان . أحدهما : ذكر الماوردي ، أن الترتب في المسجد للتدريس والفتوى كالترتب للإمامة ، فلا يعتبر إذن الإمام في مساجد المحال ، ويعتبر في الجوامع وكبار المساجد إذا كانت عادة البلد فيه الاستئذان ، فجعل لإذن الإمام أثر . الثاني : عد الشيخ أبو حامد وطائفة رحاب المسجد مع مقاعد الأسواق فيما يقطع للارتفاق بالجلوس فيه للبيع والشراء ، وهذا كما يقدح في نفي الإقطاع ، يخالف المعروف في المذهب في المنع من الجلوس في المسجد للبيع والشراء ، إلا أن يراد بالرحاب : الأفنية الخارجة عن حد المسجد .

                                                                                                                                                                        قلت : قال الماوردي في " الأحكام " : إن حريم الجوامع والمساجد ، إن كان الارتفاق به مضرا بأهل المساجد ، منع منه ، ولم يجز للسلطان الإذن فيه ، وإلا ، جاز . وهل يشترط فيه إذن السلطان ؟ وجهان . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 299 ]

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية