الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الركن الثالث : الشيء الملتقط ، وهو قسمان . مال وغيره ، والمال نوعان ، حيوان وجماد . والحيوان ضربان ، آدمي وغيره . وغيره صنفان :

                                                                                                                                                                        أحدهما : ما يمتنع من صغار السباع بفضل قوته ، كالإبل ، والخيل ، والبغال ، والحمير ، أو بشدة عدوه كالأرانب ، والظباء المملوكة ، أو بطيرانه كالحمام ، فإن وجدها في مفازة ، فللحاكم ونوابه أخذها للحفظ . وفي جواز أخذها للآحاد للحفظ وجهان . أصحهما عند الشيخ أبي حامد ، والمتولي ، وغيرهما : جوازه ، وهو المنصوص ، لئلا يأخذها [ ص: 403 ] خائن فتضيع . وأما أخذها للتملك ، فلا يجوز لأحد . فمن أخذها للتملك ضمنها ، ولا يبرأ عن الضمان بالرد إلى ذلك الموضع . فإن دفعها إلى القاضي ، برئ على الأصح . وإن وجدها في بلدة أو قرية ، أو في موضع قريب منها ، فوجهان أو قولان . أحدهما : لا يجوز التقاطها للتملك كالمفازة . وأصحهما : جوازه ، لأنها في العمارة تضيع بتسلط الخونة . وقيل : يجوز قطعا . وقيل : لا يجوز قطعا . فإن منعنا ، فالتقاطها بقصد التملك كما ذكرنا في التقاطها من الصحراء . وإن جوزناه ، فعلى ما سيأتي في النصف الثاني - إن شاء الله تعالى - . هذا كله إذا كان زمان أمن . فأما في زمن النهب ، والفساد ، فيجوز التقاطها قطعا . وسواء وجدت في الصحراء أو العمران ، كما سيأتي فيما لا يمتنع ، قاله المتولي .

                                                                                                                                                                        الصنف الثاني : ما لا يمتنع من صغار السباع ، كالكسير ، والغنم ، والعجول ، والفصلان ، فيجوز التقاطها للتملك ، سواء وجدت في المفازة ، أو العمران . وفي وجه : لا يؤخذ ما وجد في العمران . والصحيح المعروف : أنه لا فرق . ثم إذا وجده في المفازة ، فهو بالخيار بين أن يمسكها ، ويعرفها ، ثم يتملكها ، وبين أن يبيعها ، ويحفظ ثمنها ، ويعرفها ، ثم يتملك الثمن ، وبين أن يأكلها إن كانت مأكولة ويغرم قيمتها . والخصلة الأولى أولى من الثانية ، والثانية أولى من الثالثة . وإن وجدها في العمران ، فله الإمساك مع التعريف ، والتملك ، وله البيع والتعريف وتملك الثمن . وفي الأكل قولان . أحدهما : الجواز كالمفازة . وأظهرهما عند الأكثرين : المنع ، لأن البيع في العمران أسهل هذا إذا كانت مأكولة ، فأما الجحش وصغار ما لا يؤكل ، فحكمها في الإمساك والبيع حكم المأكول ، وفي جواز تملكها في الحال ، وجهان :

                                                                                                                                                                        أحدهما : نعم ، كما يجوز أكل المأكول . ولو لم نجوز ذلك لأعرض عنها الواجدون ولضاعت ، وأصحهما : لا يجوز تملكها حتى تعرف سنة كغيرها .

                                                                                                                                                                        [ ص: 404 ] ويتفرع على الخصال الثلاث مسائل :

                                                                                                                                                                        إحداها : إذا أمسكها وتبرع بالإنفاق ، فذاك . وإن أراد الرجوع ، فلينفق بإذن الحاكم . فإن لم يجد حاكما ، أشهد كما سبق في نظائره .

                                                                                                                                                                        الثانية : إذا أراد البيع ، فإن لم يجد حاكما ، استقل به . وإن وجده ، فالأصح أنه يجب استئذانه . وهل يجوز بيع جزء منها لنفقة باقيها ؟ قال الإمام : نعم ، كما تباع جميعها . وحكى عن شيخه احتمالا أنه لا يجوز ، لأنه يؤدي إلى أن تأكل نفسها ، وبهذا قطع أبو الفرج الزاز ، قال : ولا يستقرض على المالك أيضا ، لهذا المعنى ، لكنه يخالف ما سبق في هرب الجمال ونحوه .

                                                                                                                                                                        قلت : الفرق بينه وبين هرب الجمال ظاهر ، فإن هناك لا يمكن البيع لتعلق حق المستأجر ، وهنا يمكن ، فلا يجوز الإضرار بمالكها من غير ضرورة . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        متى حصلت الضالة في يد الحاكم ، فإن كان هناك حمى ، سرحها فيه ووسمها بسمة الضوال ، ويسم نتاجها أيضا . وإن لم يمكن ، فالقول في بيع كلها أو بعضها للنفقة على ما سبق ، لكن لو توقع مجيء المالك في طلبها على قرب ، بأن عرف أنها من نعم بني فلان ، تأنى أياما كما يراه .

                                                                                                                                                                        الضرب الثاني : الآدمي ، فإذا وجد رقيقا مميزا ، والزمان آمن ، لم يأخذه ، لأنه يستدل على سيده . وإن كان غير مميز ، أو مميزا في زمن نهب ، جاز أخذه كسائر الأموال . ثم يجوز تملك العبد والأمة التي لا تحل كالمجوسية ، والمحرم . وإن كانت ممن تحل ، فعلى قولين كالاستقراض . فإن منعناه ، لم يجب التعريف ، كذا ذكره الشيخ أبو حامد . وينفق على الرقيق مدة الحفظ من كسبه ، وما بقي من الكسب [ ص: 405 ] حفظ معه . فإن لم يكن كسب ، فعلى ما سبق في الصنف الثاني . وإذا بيع ثم ظهر المالك وقال : كنت أعتقته ، فقولان . أظهرهما : يقبل قوله ويحكم بفساد البيع . والثاني : لا ، كما لو باع بنفسه .

                                                                                                                                                                        النوع الثاني : الجماد ، وينقسم إلى ما يبقى ، بمعالجة ، كالرطب يجفف ، أو بغيرها ، كالذهب والفضة والثياب ، وإلى ما لا يبقى ، كالهريسة ، وكل ذلك لقطة يؤخذ ويملك ، لكن فيما لا يبقى ، أو يبقى بمعالجة مزيد كلام نذكره في الباب الثاني - إن شاء الله تعالى - .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية