الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فرع .

                                                                                                                                                                        في أكمل التشهد ، وأقله .

                                                                                                                                                                        أما أكمله ، فما رواه ابن عباس رضي الله عنهما ( التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله ، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله . هكذا رواه الشافعي ، ورواه غيره ( السلام عليك أيها النبي ) ( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) بالألف واللام .

                                                                                                                                                                        ولو تشهد بما رواه ابن مسعود ، أو بتشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، جاز . لكن الأول أفضل .

                                                                                                                                                                        [ ص: 264 ] وتشهد ابن مسعود ( التحيات لله ، والصلوات ، والطيبات ، السلام عليك . . . ) وذكره كما تقدم . إلا أن في آخره ( وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ) .

                                                                                                                                                                        وتشهد عمر ( التحيات لله ، الزاكيات لله ، الطيبات لله ، الصلوات لله ، السلام عليك . . . ) وذكره كابن مسعود ، ولنا وجه : أن الأفضل : أن يقول : ( التحيات المباركات الزاكيات ، والصلوات والطيبات لله ، السلام عليك . . . . ) ذكره ليكون جامعا لها كلها ، وقال جماعة من أصحابنا : يستحب أن يقول قبل التحيات : ( باسم الله ، وبالله ، التحيات لله ) ، ويروى ( بسم الله خير الأسماء ) والصحيح الذي عليه جماهيرهم : أنه لا يقدم التسمية .

                                                                                                                                                                        وأما أقله ، فنص الشافعي - رحمه الله - وأكثر الأصحاب ، أنه : ( التحيات لله ، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسوله ) .

                                                                                                                                                                        هكذا نقله العراقيون والروياني ، وكذا نقله البغوي . إلا أنه قال : ( وأشهد أن محمدا رسوله ) ، ونقله ابن كج والصيدلاني ، وأسقطا كلمة : ( وبركاته ) وقالا : ( وأشهد أن محمدا رسول الله ) .

                                                                                                                                                                        وقال ابن سريج رحمه الله : أقله : ( التحيات لله ، سلام عليك أيها النبي ، سلام على عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسوله ) ، وأسقط بعضهم : " السلام " الثاني .

                                                                                                                                                                        وقال بعضهم : ( سلام عليك أيها النبي ، وعلى عباد الله الصالحين ) ، وأسقط بعضهم : ( الصالحين ) ، واختاره الحليمي .

                                                                                                                                                                        قلت : وروي : ( سلام عليك ) و ( سلام علينا ) وروي : ( السلام ) بالألف واللام فيهما ، وهذا أكثر في روايات الحديث ، وفي كلام الشافعي : واتفق أصحابنا على جواز الأمرين هنا بخلاف سلام التحلل .

                                                                                                                                                                        قالوا : والأفضل هنا الألف واللام لكثرته وزيادته ، وموافقته سلام التحلل . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 265 ] فرع :

                                                                                                                                                                        أقل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، أن يقول : ( اللهم صل على محمد ) أو ( صلى الله على محمد ) أو ( صلى الله على رسوله ) ، وفي وجه : يكفي ( صلى الله عليه ) ، وأقل الصلاة على الآل أن يقول ( وآله ) وأكملها أن يقول : ( اللهم صل على محمد ، وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم ، وعلى آل إبراهيم ، وبارك على محمد ، وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم ، وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ) .

                                                                                                                                                                        ويستحب الدعاء بعد ذلك ، وله أن يدعو بما شاء من أمر الدنيا والآخرة ، وأمور الآخرة أفضل ، وعن الشيخ أبي محمد : أنه كان يتردد في مثل : اللهم ارزقني جارية صفتها كذا ، ويميل إلى المنع ، وأنه يبطل الصلاة .

                                                                                                                                                                        والصواب الذي عليه الجماهير جواز الجميع . لكن ما ورد في الأخبار أحب من غيره .

                                                                                                                                                                        ومنه : ( اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت - وفيه أيضا ( وما أعلنت ) مقدم على ( ما أسررت ) - وما أنت أعلم به مني ، أنت المقدم وأنت المؤخر ، لا إله إلا أنت ) .

                                                                                                                                                                        وأيضا : ( اللهم ( إني ) أعوذ بك من عذاب النار ، وعذاب القبر ، وفتنة المحيا والممات ، وفتنة المسيح الدجال ) .

                                                                                                                                                                        وأيضا : ( اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم ) .

                                                                                                                                                                        وأيضا : ( اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ، لا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لي مغفرة من عندك ، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ) .

                                                                                                                                                                        ثم الصحيح الذي عليه الجمهور أن الدعاء مستحب للإمام وغيره . لكن الأفضل أن يكون الدعاء أقل من التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه تبع لهما . فإن زاد لم يضر . إلا أن يكون إماما فيكره التطويل .

                                                                                                                                                                        والوجه الثاني : المستحب للإمام ، أن لا يدعو ، ويستحب للمنفرد الدعاء ، [ ص: 266 ] ولا بأس بتطويله ، هذا كله في التشهد الأخير . أما الأول : فيكره فيه الدعاء ، بل لا يزيد على لفظ التشهد إلا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إذا قلنا : هي سنة فيه ، وعلى الآل على وجه .

                                                                                                                                                                        قلت : إطالة التشهد الأول مكروهة كما ذكر . فلو طوله لم تبطل صلاته ولم يسجد للسهو ، سواء طوله عمدا أم سهوا . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع :

                                                                                                                                                                        لا يجوز لمن عرف التشهد بالعربية ، أن يعدل إلى ترجمته ، فإن عجز ، أتى بترجمته ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى الآل ، إذا أوجبناها كالتشهد .

                                                                                                                                                                        وأما ما عدا الواجبات من الألفاظ المشروعة في الصلاة ، إذا عجز عنها بالعربية فقسمان : دعاء وغيره ؛ فأما الدعاء المأثور ، ففيه ثلاثة أوجه : أصحها : تجوز الترجمة عنه لمن لا يحسن العربية ، ولا يجوز لمن يحسنها ، فإن ترجم بطلت صلاته ، والثاني : يجوز لمن أحسنها ولغيره .

                                                                                                                                                                        والثالث : لا يجوز لواحد منهما ، ولا يجوز أن يخترع دعوة بالعجمية يدعو بها قطعا .

                                                                                                                                                                        وأما سائر الأذكار كالتشهد الأول والقنوت وتكبيرات الانتقالات والتسبيحات فأوجه :

                                                                                                                                                                        أحدها : يجوز أن يأتي بترجمتها العاجز ، والثاني : لا يجوز ، والثالث : يترجم لما يجبر بالسجود دون غيره .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح : الجواز للعاجز ، ومنعه في القادر . ثم إذا قام من التشهد الأول قام مكبرا ، وهل يمده ؟ فيه القولان السابقان في فصل الركوع .

                                                                                                                                                                        ثم قال جمهور أصحابنا : لا يرفع يديه في هذا القيام ، ولنا وجه : أنه يستحب رفع اليدين فيه ، كما يستحب في الركوع ، والرفع منه ، وحكاه صاحب ( المهذب ) [ ص: 267 ] وغيره عن أبي بكر بن المنذر ، وأبي علي الطبري ، وهذا الوجه هو الصحيح أو الصواب ، فقد ثبت ذلك في " صحيح البخاري " وغيره ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونص عليه الشافعي رحمه الله ، وقد أطنبت في إيضاحه في شرح ( المهذب ) .

                                                                                                                                                                        واعلم أن في الصلاة الرباعية اثنتين وعشرين تكبيرة ، وفي الثلاثية سبع عشرة ، وفي الثنائية إحدى عشرة . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية