الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        النكاح لا يقبل التعليق ، كقوله : إذا جاء رأس الشهر ، فقد زوجتك . فلو أخبر بمولود ، فقال لجليسه : إن كانت بنتا ، فقد زوجتكها ، أو قال : إن كانت بنتي طلقها زوجها ، أو مات عنها وانقضت عدتها ، فقد زوجتكها ، أو لو كان تحته أربع نسوة ، فقال له رجل : إن كانت ماتت إحداهن فقد زوجتك بنتي ، أو قال : إن مات أبي وورثت هذه الجارية ، فقد زوجتكها ، وبان الأمر كما قدر ، لم يصح النكاح على المذهب ، وبه قطع الأكثرون . وقيل : وجهان كمن باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا . قال البغوي : ولو بشر ببنت ، فقال : إن صدق المخبر فقد زوجتكها ، صح ، ولا يكون ذلك تعليقا ، بل هو تحقيق ، كقوله : إن كنت زوجتي فأنت طالق ، وتكون " إن " بمعنى " إذ " . قال : وكذا لو أخبر من له أربع نسوة بموت إحداهن ، فقال لرجل : إن صدق المخبر فقد تزوجت بنتك ، فقال ذلك الرجل : زوجتكها ، صح ، وهذا الذي قاله البغوي ، يجب أن يكون مفروضا فيما إذا تيقن صدق المخبر ، وإلا ، فلفظ " إن " للتعليق .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال : زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك ، على أن يكون بضع كل واحدة صداقا للأخرى ، فقبل الآخر ، أو قال : زوجتك بنتي وتزوجت بنتك أو أختك ، [ ص: 41 ] على أن يكون بضع كل واحدة صداقا للأخرى ، فقال المخاطب : تزوجت وزوجت على ما ذكرت ، فهذا نكاح الشغار ، وهو باطل ، للحديث الصحيح ، ولمعنى الاشتراك في البضع . وقال القفال : للتعليق والتوقف .

                                                                                                                                                                        ولو قال كل واحد : زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك ، وقبل الآخر ، ولم يجعلا البضع صداقا ، فوجهان . أصحهما : الصحة ، لأنه ليس فيه إلا شرط عقد في عقد ، وذلك لا يفسد النكاح . فعلى هذا ، يصح النكاحان ، ولكل واحدة مهر المثل . والثاني : لا يصح لمعنى التعليق والتوقف . وخص الإمام الوجهين بما إذا كانت الصيغة هذه ، ولم يذكرا مهرا ، وقطع بالصحة فيما لو قال : زوجتك بنتي بألف على أن تزوجني بنتك ، وفيما قاله نظر .

                                                                                                                                                                        فعلى الوجه الأول ، لو قال : زوجتك على أن تزوجني بنتك ، وبضع بنتك صداق لبنتي ، فقبل ، صح الأول ، وبطل الثاني . ولو قال : وبضع بنتي صداق لبنتك ، بطل الأول ، وصح الثاني ، وهذا نظر إلى معنى التشريك . ولو سميا لهما أو لإحداهما مهرا مع جعل البضع صداقا ، بأن قال : زوجتك بنتي بألف على أن تزوجني بنتك بألف ، وبضع كل واحدة صداق للأخرى ، أو قال : على أن تزوجني بنتك ، وبضع كل واحدة صداق للأخرى ، أو قال : زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك ويكون بضع كل واحدة وألف درهم صداقا للأخرى ، فوجهان . أحدهما : وهو ظاهر نصه في المختصر : الصحة . وأصحهما : البطلان ، وهو نصه في الإملاء .

                                                                                                                                                                        [ ص: 42 ] فرع

                                                                                                                                                                        قال : زوجتك بنتي بمتعة جاريتك ، صح النكاح ، وفسد الصداق . ولو قال : زوجتك جاريتي على أن تزوجني بنتك ، وتكون رقبة جاريتي صداقا لبنتك ، قال ابن الصباغ : صح النكاحان ، لأنه لا تشريك فيما يرد عليه عقد النكاح ، ويفسد الصداق ، ويجب لكل واحدة مهر المثل ، ويجيء على معنى التعليق والتوقف أن يحكم ببطلان النكاحين .

                                                                                                                                                                        ولو طلق امرأته على أن يزوجه صاحبه بنته ، ويكون بضع امرأته صداقا لها ، وزوجه صاحبه على ذلك ، فهل يبطل النكاح ، أم يصح ويفسد الصداق ؟ وجهان حكاهما ابن كج عن ابن القطان .

                                                                                                                                                                        قلت : أفقههما : الثاني . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        ولو طلق امرأته على أن يعتق صاحبه عبده ، ويكون طلاق امرأته عوضا عن عتقه ، قال الحناطي : يقع الطلاق ولا رجوع بالمهر على أحد . وفي عتق العبد وجهان . إن عتق ، فلا رجوع بقيمته وقال ابن كج : عندي يقع الطلاق ويحصل العتق ، ويرجع المطلق على المعتق بمهر امرأته ، والمعتق على المطلق بقيمة عبده .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية