الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الركن الثاني : المنكوحة ، ويشترط خلوها من موانع النكاح . والكلام في الموانع مبسوط في مواضعها ، لا سيما باب الموانع ، فيقتصر هنا على عد تراجمها . فمن الموانع أن تكون منكوحة أو معتدة عن غيره ، أو مطلقته بالثلاث ما لم تحلل ، أو ملاعنته ، أو مرتدة ، أو مجوسية ، أو وثنية ، أو زنديقة ، أو كتابية دخلت في دينهم بعد مبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو بعد تبديلهم على الأظهر ، أو تكون أمة والناكح حر واجد طول حرة ، أو غير خائف عنتا ، أو يكون بعضها أو كلها ملكا للناكح ، أو تكون محرما له ، أو خامسة ، أو يكون في نكاحه أختها وغيرها ممن لا يجمع بينها وبينها ، أو تكون محرمة بحج أو عمرة ، أو ثيبا صغيرة ، أو تكون يتيمة لا جد لها .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        يشترط في كل واحد من الزوجين أن يكون معينا . فلو قال : زوجتك إحدى بنتي ، أو زوجت بنتي أحدكما ، أو أحد ابنيك ، لم يصح . ولو كان له بنت واحدة فقال : زوجتك بنتي ، صح وإن لم يسمها . ولو كانت حاضرة فقال : زوجتك هذه ، أو كانت في الدار فقال : زوجتك التي في الدار ، وليس فيها غيرها ، صح .

                                                                                                                                                                        ولو كان له بنت واحدة ، فقال : زوجتك بنتي فلانة ، وسماها بغير اسمها ، صح النكاح على الأصح ، لأن البنتية صفة لازمة مميزة ، فاعتبرت ولغا الاسم ، كما لو أشار إليها وسماها بغير اسمها ، فإنه يصح قطعا . وقد يمنع هذه الصورة القائل الآخر ، والأصح [ ص: 44 ] الصحة فيهما ، حتى لو قال : زوجتك هذا الغلام ، وأشار إلى بنته ، نقل الروياني عن الأصحاب صحة النكاح ، تعويلا على الإشارة . ولو قال : بعتك داري هذه ، وحددها وغلط في حدودها ، صح البيع ، بخلاف ما لو قال : بعتك الدار التي في المحلة الفلانية ، وحددها وغلط ، لأن التعويل هنا على الإشارة . ولو قال : بعتك داري ، ولم يقل : هذه ، وحددها وغلط ، ولم يكن له دار سواها ، وجب أن يصح تفريعا على الأصح في قوله : زوجتك بنتي فلانة وغلط في اسمها .

                                                                                                                                                                        وأما إذا كان اسم بنته ( الواحدة ) فاطمة ، فقال : زوجتك فاطمة ، ولم يقل : بنتي ، فلا يصح النكاح لكثرة الفواطم ، لكن ( لو ) نواها ، صح . كذا قال به العراقيون والبغوي ، واعترض ابن الصباغ بأن الشهادة شرط ، والشهود لا يطلعون على النية ، وهذا قوي ، ولهذا الأصل منعنا النكاح بالكنايات .

                                                                                                                                                                        ولو كان له بنتان فصاعدا ، اشترط تمييز المنكوحة باسم أو إشارة أو صفة ، كقوله : فاطمة ، أو هذه ، أو الكبرى . قال المكتفون بالنية : أو بأن ينويا واحدة بعينها وإن لم يجر لفظ مميز .

                                                                                                                                                                        ولو قال : بنتي الكبرى وسماها باسم الصغرى ، صح النكاح على الكبرى على الوصف . ويجيء على قياس الوجه المذكور في الواحدة أن يبطل النكاح .

                                                                                                                                                                        وإذا لم يتعرض للكبر والصغر ، بل قال : زوجتك بنتي فلانة ، وذكر اسم الكبيرة وقصد تزويجه الصغيرة ، أو بالعكس ، وقصد الزوج التي قصدها الولي ، صح النكاح على التي قصداها ، ولغت التسمية . وفي الاعتماد على النية الإشكال السابق . ولو قال الزوج : قصدنا الكبيرة ، فالنكاح في الظاهر منعقد على الكبيرة .

                                                                                                                                                                        وإن صدق الولي [ ص: 45 ] في أنه قصد الصغيرة ، لم يصح ، لأنه قبل غير ما أوجب ، هكذا ذكره العراقيون والبغوي المعتبرون للنية ، وهذا يخالف مسألة منقولة ، وهي أن زيدا خطب إلى قوم ، وعمرا إلى آخرين ، ثم جاء زيد إلى الآخرين ، وعمرو إلى الأولين ، وزوج كل فريق من جاءه ، قال ابن القطان : وقعت في أيام أبي السائب ببغداد ، فأفتى الفقهاء بصحة النكاحين ، ومعلوم أن كل ولي أوجب لغير من قبل .

                                                                                                                                                                        قلت : ليست هذه المسألة مثلها ، والفرق أظهر من أن يذكر .

                                                                                                                                                                        ومن فروع المسألة ، زوج رجل رجلا إحدى بنتيه ، فمات الأب ، وادعت كل واحدة عليه أنها زوجته ، أو ادعى هو على إحداهما ، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في الباب الثاني عشر . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية