الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        النوع الثالث : استيفاء عدد الطلاق . فإذا طلق الحر زوجته ثلاثا في نكاح أو أنكحة دفعة أو أكثر قبل الدخول أو بعده ، لم يحل له نكاحها حتى تنكح زوجا غيره ويطأها ويفارقها وتنقضي عدتها منه ، وإذا طلق العبد طلقتين ، فكطلاق الحر ثلاثا . ولو عتق بعد ذلك ، لم يؤثر ، ويشترط أن يكون الوطء في نكاح صحيح . وفي قول : يكفي الوطء في نكاح فاسد . ومنهم من أنكره ، ومنهم من طرده في وطء الشبهة ، والمذهب الأول . ويشترط تغييب جميع الحشفة في الفرج ، وبه تتعلق أحكام الوطء كلها . وقال البغوي : إن كانت بكرا ، فأقله الاقتضاض بآلته . ومن قطعت حشفته ، إن بقي من ذكره دون قدرها ، لم يحل . وإن بقي قدرها فقط ، أحل . وإن بقي أكثر من قدرها ، كفى تغييب قدر حشفة هذا الشخص على الأصح . وقيل : يشترط تغييب جميع الباقي ، سواء كان قوي الانتشار ، أو ضعيفه فاستعان بأصبعه أو أصبعها ، فإن لم يكن انتشار أصلا ، لتعنين أو شلل [ ص: 125 ] أو غيرهما ، لم يحصل التحليل على الصحيح ، وبه قطع جمهور الأصحاب في كتبهم ، لعدم ذوق العسيلة ، وحصله الشيخ أبو محمد والغزالي ، لحصول الوطء وأحكامه . واستدخال ذكر النائم وغيره يحلل ، واستدخال الماء لا يحلل .

                                                                                                                                                                        قلت : ولو لف على ذكره خرقة وأولج ، حلل على الصحيح . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        يحصل التحليل بكل زوج ، حر مسلم ، وعبد ، ومجنون ، وخصي ، وذمي إذا كانت المطلقة ذمية ، سواء كان المطلق مسلما أو ذميا ، ويشترط وطء الذمي في وقت لو ترافعوا إلينا لقررناهم على ذلك النكاح .

                                                                                                                                                                        قلت : لا يشترط في تحليل الذمية للمسلم وطء ذمي ، بل المجوسي والوثني يحللانها أيضا للمسلم ، كما يحصنانها ، صرح به إبراهيم المروذي . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        والصبي الذي يتأتى منه الجماع ، كالبالغ على المشهور . والطفل الذي لا يتأتى منه ، لا يحلل على الصحيح ، وعن القفال ، أنه يحلل .

                                                                                                                                                                        قلت : هذا الوجه كالغلط المنابذ لقواعد الباب . ونقل الإمام اتفاق الأصحاب أنه لا يحلل . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا كانت المطلقة ثلاثا صغيرة ، ووطئها زوج ، حلت قطعا . وقيل في التي لا تشتهى الوجهان كتحليل الصبي .

                                                                                                                                                                        [ ص: 126 ] فرع

                                                                                                                                                                        لو وطئها في إحرامه أو إحرامها ، أو الحيض ، أو صوم رمضان ، أو قبل التكفير عن ظهارها ، أو ظانا أنها أجنبية ، حلت ، لأنه وطء زوج في نكاح صحيح . ولو وطئها وهي في عدة وطء شبهة وقع بعد نكاحه ، حلت على الأصح . ولو وطئها في حال ردته أو ردتها ، وعاد إلى الإسلام ، لم تحل ، نص عليه ، لاضطراب النكاح ، بخلاف سائر أسباب التحريم . واعترض المزني بأنه إن دخل بها قبل الردة ، فقد حلت ، وإلا ، فتبين بنفس الردة . قال الأصحاب : تتصور العدة بلا دخول ، بأن يطأها في الدبر أو فيما دون الفرج فسبق الماء ، أم تستدخل ماءه ، فتجب العدة ، ولا تحل بهذه الأسباب ، وكذا بالخلوة على القديم .

                                                                                                                                                                        قلت : هذا الذي ذكره عن النص أنها لا تحل بالوطء في الردة ، هو الصواب ، وبه قطع جماهير الأصحاب . وقال صاحب " التلخيص " : إن اجتمعا في الإسلام قبل انقضاء العدة ، حلت للأول ، وتابعه عليه القفال ، وليس بشيء . ولو طلقها رجعيا ، باستدخال الماء قبل الدخول ، ثم وطئها في العدة ( لم تحل للأول وإن راجعها في العدة ) ، نص عليه الشافعي والأصحاب ، وقال إبراهيم المروذي : إذا قلنا : تحل بوطء الشبهة ، فهنا أولى ، وإلا ، فلا تحل . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        نكحها على أنه إذا وطئها بانت منه ، أو نكحها إلى أن يطأها ، أو على أنه إذا وطئها فلا نكاح بينهما ، فنكاح باطل ، فإن شرط أنه إذا وطئها طلقها ، فباطل [ ص: 127 ] أيضا على الأظهر . وفي قول : يصح العقد ، ويبطل الشرط ، ويجب مهر المثل . ولو تزوج بلا شرط ، وفي عزمه أن يطلقها إذا وطئها ، كره ، وصح العقد ، وحلت بوطئه . ولو نكحها على أن لا يطأها إلا مرة ، أو على أن لا يطأها نهارا ، فللشافعي - رحمه الله - في بطلان النكاح أو صحته دون الشرط نصان . وقيل : قولان . والمذهب أنهما على حالين . فالبطلان إذا شرطت الزوجة أن لا يطأها ، والصحة إذا شرط الزوج أن لا يطأ ، لأنه حقه ، فله تركه والتمكين عليها . ولو نكحها بشرط أن لا تحل له ، فقال الإمام : يجب أن تلحق بشرط ترك الوطء . وقال الغزالي : ينبغي أن يفسد ، للتناقض .

                                                                                                                                                                        قلت : قول الغزالي أصح . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        وفي " فتاوى " القفال : أنه لو تزوج أمة على أن لا يملك الاستمتاع ببضعها ، فكشرط أن لا يطأ . وإن تزوجها بشرط أن لا يملك بضعها ، فإن أراد الاستمتاع ، فكذلك . وإن أراد ملك العين ، لم يضر . وجميع ما ذكرناه إذا شرطه في نفس العقد ، ولو تواطآ في شيء من ذلك قبل العقد ، وعقدا على ذلك القصد بلا شرط ، فليس كالمشروط على الصحيح .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال الأئمة : أسلم طريق في الباب ، وأدفعه للعار ، أن تزوج بعبد صغير ، وتستدخل حشفته ، ثم تتملكه ببيع أو هبة ونحوهما ، فينفسخ النكاح ، ويحصل التحليل إن صححنا تحليل الصبي وجوزنا إجبار العبد الصغير على النكاح ، وإلا ، فلا .

                                                                                                                                                                        [ ص: 128 ] فرع

                                                                                                                                                                        إذا قالت المطلقة ثلاثا : نكحت زوجا آخر ، فوطئني وفارقني ، وانقضت عدتي منه ، قبل قولها عند الاحتمال . وإن أنكر الزوج الثاني ، وصدق في أنه لا يلزمه إلا نصف المهر ، فكذلك ، لأنها مؤتمنة في انقضاء العدة ، والوطء يعسر إقامة البينة عليه . ثم إن ظن صدقها ، فله نكاحها بلا كراهة . وإن لم يظنه ، استحب أن لا يتزوجها . وإن قال : هي كاذبة ، لم يكن له نكاحها . فإن قال بعده : تبينت صدقها ، فله نكاحها .

                                                                                                                                                                        قلت : قد جزم الفوراني بأنه إذا غلب على ظنه كذبها ، لم تحل له . وتابعه الغزالي على هذا ، وهو غلط عند الأصحاب ، وقد نقل الإمام اتفاق الأصحاب على أنها تحل وإن غلب على ظنه كذبها إذا كان الصدق ممكنا . قال : وهذا الذي قاله الفوراني غلط ، وهو من عثرات الكتاب ، ولعل الرافعي لم يحك هذا الوجه ، لشدة ضعفه ، ولقول الإمام : إنه غلط . قال إبراهيم المروذي : ولو كذبها الزوج والولي والشهود ، لم تحل على الأصح . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        طلق زوجته الأمة ، ثم اشتراها قبل وطء زوج ، لا يحل له وطؤها بملك اليمين على الصحيح ، لظاهر القران .

                                                                                                                                                                        قلت : قال العلماء : الحكمة في اشتراط التحليل ، التنفير من الطلاق الثلاث . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية