الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        إذا سها الإمام في صلاته ، لحق سهوه المأموم ويستثنى صورتان . إحداهما : إذا بان الإمام محدثا ، فلا يسجد لسهوه ، ولا يتحمل عن المأموم أيضا . الثانية : أن يعلم سبب سجود الإمام ، ويتيقن غلطه في ظنه ، كما إذا ظن الإمام ترك بعض الأبعاض ، والمأموم يعلم أنه لم يترك ، فلا يوافقه إذا سجد . ثم إذا سجد الإمام [ ص: 313 ] في غير الصورتين ، لزم المأموم موافقته فيه . فإن تركه عمدا بطلت صلاته . وسواء عرف المأموم سهو الإمام ، أم لم يعرفه . فمتى سجد الإمام في آخر صلاته سجدتين ، وجب على المأموم متابعته ، حملا على أنه سها ، بخلاف ما لو قام وأتى بركعة خامسة ، فإنه لا يتابعه ، حملا على أنه ترك ركنا من ركعة ، لأنه لو تحقق الحال هناك لم يجز متابعته ، لأن المأموم أتم صلاته يقينا .

                                                                                                                                                                        قلت : ولو كان المأموم مسبوقا بركعة ، أو شاكا في ترك ركن كالفاتحة ، فقام الإمام إلى الخامسة ، لم يجز للمأموم متابعته فيها . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ولو لم يسجد الإمام إلا سجدة ، سجد المأموم أخرى ، حملا على أنه نسي . ولو ترك الإمام السجود لسهوه ، سجد المأموم على الصحيح المنصوص . وخرج قول : أنه لا يسجد . ولو سلم الإمام ، ثم عاد إلى السجود ، نظر ، فإن سلم المأموم معه ناسيا ، وافقه في السجود . فإن لم يوافقه ، ففي بطلان صلاته وجهان بناء على الوجهين فيمن سلم ناسيا للسجود فعاد إليه : هل يعود إلى حكم الصلاة ؟ وإن سلم المأموم عمدا مع علمه بالسهو ، لم يلزمه متابعته . ولو لم يسلم المأموم ، فعاد الإمام ليسجد ، فإن عاد بعد أن سجد المأموم للسهو ، لم يتابعه ، لأنه قطع صلاته عن صلاته بالسجود . وإن عاد قبل أن يسجد المأموم ، فالأصح : أنه لا يجوز متابعته ، بل يسجد منفردا . والثاني : يلزمه متابعته . فإن لم يفعل ، بطلت صلاته . ولو سبق الإمام حدث بعدما سها ، أتم المأموم صلاته ، وسجد للسهو . تفريعا على الصحيح المنصوص .

                                                                                                                                                                        قلت : ولو سها المأموم ، ثم سبق الإمام حدث ، لم يسجد المأموم ، لأن الإمام حمله . وإن قام الإمام إلى خامسة ساهيا ، فنوى المأموم مفارقته بعد بلوغ الإمام في ارتفاعه حد الراكعين ، سجد المأموم للسهو . وإن نواها قبله ، فلا سجود . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 314 ] ولو كان الإمام حنفيا ، وجوزنا الاقتداء به ، فسلم قبل أن يسجد للسهو ، لم يسلم معه المأموم ، بل يسجد قبل السلام ، ولا ينتظر سجود الإمام ، لأنه فارقه بسلامه . ولو كان المأموم مسبوقا ، وسها الإمام بعد ما لحقه ، وسجد في آخر صلاته ، لزم المسبوق أن يسجد معه على الصحيح المنصوص المعروف . وعلى الشاذ : لا يسجد . فعلى الصحيح : إذا سجد معه ، يعيد السجود في آخر صلاة نفسه على الأظهر . فإن لم يسجد الإمام ، لم يسجد المسبوق في آخر صلاة الإمام . وهل يسجد في آخر صلاة نفسه ؟ فيه الخلاف المتقدم في المأموم الموافق ، إذا لم يسجد الإمام : هل يسجد ؟ أما إذا سها الإمام قبل اقتداء المسبوق ، فهل يلحق المسبوق حكم سهوه ؟ وجهان . أحدهما : لا . فعلى هذا إن لم يسجد الإمام ، لم يسجد هو أصلا . وإن سجد ، فالأصح : أنه لا يسجد معه . والثاني : يسجد معه ، لكن لا يعيده في آخر صلاته . والوجه الثاني وهو الأصح : يلحقه حكم سهوه . فعلى هذا ، إن سجد الإمام ، سجد معه . وهل يعيده في آخر صلاته ؟ فيه القولان . وإن لم يسجد الإمام ، سجد هو في آخر صلاته على الصحيح المنصوص . وإذا قلنا : المسبوق يعيد السجود في آخر صلاته ، فاقتدى به بعد انفراده مسبوق آخر ، وبالآخر آخر ، فكل واحد منهم يسجد لمتابعته إمامه ، ثم يسجد في آخر صلاة نفسه . ولو سها المسبوق في تداركه ، فإن قلنا : لا يسجد لسهو الإمام في آخر صلاة نفسه ، سجد لسهوه سجدتين . وإن قلنا : يسجد لسهو الإمام في آخرها ، فكم يسجد ؟ وجهان . أصحهما : سجدتان . والثاني : أربع . ولو انفرد المصلي بركعة من رباعية ، وسها فيها ، ثم اقتدى بمسافر ، وجوزنا الاقتداء في أثناء الصلاة ، وسها إمامه ، ثم قام إلى الرابعة ، وسها فيها ، فكم يسجد في آخر صلاته ؟ فيه أوجه . الأصح . سجدتان . والثاني : أربع . والثالث : ست . فإن كان سجد الإمام ، فلا بد أن يسجد معه ، فيكون قد أتى في صلاته بثمان سجدات للسهو على الوجه الثالث . وكذا [ ص: 315 ] المسبوق إذا اقتدى بمسافر ، وسها الإمام ، وسجد معه المسبوق ، ثم صار الإمام متما قبل أن يسلم فأتم ، وأعاد سجود السهو ، وأعاد معه المسبوق ، ثم قام إلى الرابعة ، وسها فيها ، وقلنا : يسجد أربع سجدات ، فقد أتى بثماني سجدات . فإن سها بعدها بكلام ، أو غيره ، وفرعنا على أنه إذا سها بعد سجود السهو ، يسجد ، صارت السجدات عشرا . وقد يزيد عدد السجود على هذا تفريعا على الوجوه الضعيفة .

                                                                                                                                                                        قلت : إذا قلنا : يسجد سجدتين للجميع ، فهل هما عن سهوه في انفراده وسهو إمامه أم عن سهو إمامه فقط ، أم عن سهوه فقط ؟ فيه ثلاثة أوجه حكاها صاحب ( البيان ) . الصحيح المشهور : الأول ، فإن قلنا : عن أحدهما فقط ، فنوى الآخر عالما ، بطلت صلاته . وإن قلنا : عنهما ، فنوى أحدهما ، لم تبطل ، لكنه تارك لسجود الأخير . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية