الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        خصال الكفارة ثلاث . الأولى : العتق . ويشترط في الرقبة لتجزئ عن الكفارة ، أربعة شروط : الإسلام ، والسلامة ، وكمال الرق ، والخلو عن العوض .

                                                                                                                                                                        الأول : الإسلام ، فلا تجزئ كافرة في شيء من الكفارات ، ويجزئ إعتاق الصغير إذا كان أحد أبويه مسلما أصليا ، أو أسلم قبل انعقاده ، ولا يجزئ إذا كان أبواه كافرين ، لأنه محكوم بكفره ، ولو أسلم الصغير بنفسه ، فقد سبق فيه في كتاب " اللقيط " ثلاثة أوجه ، أصحهما : لا يصح ، وقال الاصطخري : يصح إسلام المميز ، وقال غيره : موقوف ، إن بلغ وثبت عليه ، تبينا صحة إسلامه ، وإلا فلا ، فعلى قول الاصطخري ، يجزئ إعتاقه عن الكفارة ، وعلى الوقف : إن بلغ وثبت ففي إجزائه وجهان . ولو أسلم أحد أبويه وهو صغير أو جنين ، أجزأه عن الكفارة إن مات في صغره ، أو بعد بلوغه قبل تمكنه من اللفظ بالإسلام . ولو صرح بالكفر بعد البلوغ ، فقد ذكرنا في اللقيط ، أن الأظهر أنه مرتد ، والثاني : أنه كافر أصلي ، وبينا هناك حكم الكفارة على القولين ، وبهذا يقاس من أسلم بتبعية السابي ، على ما بيناه في " اللقيط " .

                                                                                                                                                                        وفي " التهذيب " أنه لو سبا الصغير ساب ، وسبا أحد أبويه آخر ، فإن كانا في عسكر واحد ، لم يحكم بإسلامه ، بل هو تبع لأبويه ، وإن كانا في عسكرين ، كانا تبعا للسابي ، وأن حكم المجنون في تبعية الوالدين والدار حكم الصبي ، وإذا أفاق وصرح بالكفر ، فهل هو مرتد ، أم كافر أصلي ؟ فيه الخلاف المذكور في الصبي إذا بلغ وصرح بالكفر ، وأنه هل يجب التلفظ بكلمة الإسلام بعد البلوغ والإفاقة ؟ إن قلنا : لو صرح بالكفر كان مرتدا ، لم يجب ، لأنه [ ص: 282 ] محكوم بإسلامه ، وإن قلنا : لا يجعل مرتدا ، وجب ، حتى لو مات قبل التلفظ ، مات كافرا .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        يصح إسلام الكافر بجميع اللغات ، ذكره صاحب " الشامل " وغيره ، ويشترط أن يعرف معنى الكلمة . فلو لقن العجمي الشهادة بالعربية ، فتلفظ بها وهو لا يعرف معناها ، لم يحكم بإسلامه ، وإذا تلفظ العبد بالإسلام بلغته ، وسيده لا يعرف لغته ، فلا بد ممن يعرفه بلغته ليعتقه عن الكفارة .

                                                                                                                                                                        قلت : إسلامه بالعجمية صحيح ، إن لم يحسن العربية قطعا ، وكذا إن أحسنها على الصحيح . والوجه بالمنع مشهور في صفة الصلاة من " التتمة " وغيره ، ويكفي السيد في معرفة لغة العبد قول ثقة ، لأنه خبر ، كما يكفي في معرفة قول المفتي والمستفتي . - والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        يصح إسلام الأخرس بالإشارة المفهمة . وقيل : لا يحكم بإسلامه إلا إذا صلى بعد الإشارة ، وهو ظاهر نصه في الأم والصحيح المعروف الأول ، وحمل النص على ما إذا لم تكن الإشارة مفهمة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        ذكر الشافعي - رضي الله عنه - في " المختصر " في هذا الباب أن الإسلام أن يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ويبرأ من كل دين خالف الإسلام ، واقتصر في مواضع على الشهادتين ، ولم يشترط البراءة ، فقال الجمهور : ليس فيه خلاف ، بل إن كان الكافر ممن يعترف بأصل رسالة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - كقوم من اليهود يقولون : مرسل إلى العرب فقط ، فلا بد من البراءة ، وإن [ ص: 283 ] كان ينكر أصل الرسالة كالوثني ، كفى في إسلامه الشهادتان . قال الشيخ أبو حامد : وقد رأيت هذا التفصيل منصوصا عليه في كتاب " قتال المشركين " ، ونقل الإمام خلافا للأصحاب ، وفي اشتراط البراءة قال : والأصح عدم الاشتراط .

                                                                                                                                                                        قلت : في المسألة ثلاثة أوجه ، حكاها صاحب " الحاوي " . والصحيح التفصيل المذكور ، والثاني : أن التبرؤ شرط مطلقا ، والثالث : أنه يستحب مطلقا . - والله أعلم .

                                                                                                                                                                        والمذهب الذي قطع به الجمهور ، أن كلمتي الشهادتين لا بد منهما ، ولا يحصل الإسلام إلا بهما ، وحكى الإمام مع ذلك طريقة أخرى منسوبة إلى المحققين ، أن من أتى من الشهادتين بكلمة تخالف معتقده ، حكم بإسلامه ، وإن أتى منهما بما يوافقه ، لم يحكم ، فإذا وحد الثنوي ، أو قال المعطل : لا إله إلا الله ، جعل مسلما ، وعرض عليه شهادة الرسالة ، فإن أنكر ، صار مرتدا . واليهودي إذا قال : محمد رسول الله ، حكم بإسلامه ، وحكى عن هذه الطريقة خلافا في أن اليهودي أو النصراني إذا اعترف بصلاة توافق ملتنا ، أو حكم يختص بشريعتنا ، هل يكون ذلك إسلاما ؟ وقال : ميل معظم المحققين إلى كونه إسلاما ، وعن القاضي حسين في ضبطه ، أنه قال : كلما كفر المسلم بجحده ، صار الكافر المخالف له مسلما بعقده . ثم إن كذب غير ما صدق به ، كان مرتدا ، والمذهب المعروف ما قدمناه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        استحب الشافعي - رضي الله عنه - أن يمتحن الكافر عند إسلامه بإقراره بالبعث بعد الموت .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية