الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الشرط الثالث : كمال الرق .

                                                                                                                                                                        وفيه مسائل : إحداها : لا يجزئ إعتاق المستولدة ولا المكاتب ، سواء أدى شيئا من النجوم ، أم لا ، فإن كانت الكتابة فاسدة ، أجزأ إعتاقه عن الكفارة على المذهب ، ولو قال للمكاتب : إذا عجزت عن النجوم فأنت حر عن كفارتي ، فعجز ، عتق ، ولم يجزئ عن الكفارة ، لأنه حين علق لم يكن بصفة الإجزاء . كذا ولو قال لعبده الكافر : إذا أسلمت ، فأنت حر عن كفارتي ، فأسلم ، أو قال : إن خرج الجنين سليما ، فهو حر عن كفارتي ، فخرج سليما .

                                                                                                                                                                        ولو علق العتق عن الكفارة بدخول الدار ، ثم كاتب العبد ، ثم دخل ، فهل يجزئ عن الكفارة اعتبارا بوقت التعليق ، أم لا ، لأنه مستحق العتق عن الكتابة وقت الحصول ؟ فيه وجهان .

                                                                                                                                                                        قلت : قال الإمام وغيره : إذا قلنا بالقديم في جواز بيع أم الولد ، أجزأ إعتاقها عن الكفارة ، وإذا قلنا بالمشهور : إنه لا يجوز بيعها فأعتقها عن الكفارة ، لا يجزئه ، ويقع العتق تطوعا ، ولا يريد عتقها ، وكذا المكاتب إذا أعتقه عن [ ص: 287 ] الكفارة ، عتق ولا يجزئه عنها ، سواء جوزنا بيعه أم لا ، بخلاف أم الولد على القول الشاذ ، لأن أمية الولد ينقطع أثرها بالبيع ، بخلاف الكتابة ، فإنه إذا أدى النجوم إلى المشتري عتق ، ثم إذا عتق المكاتب ، تبعه أولاده وأكسابه ، وأم الولد لا تستتبع ذلك ، لأنهم إنما يتبعونها في العتق بموت السيد ، ولم يحصل ، وأولاد المكاتب يتبعونه إذا عتق بأداء النجوم أو البراءة منها ، وهذا في معنى الإبراء . - والله أعلم .

                                                                                                                                                                        المسألة الثانية : إذا اشترى من يعتق عليه ، ونوى كون العتق عن الكفارة ، فعن الأودني أنه يجزئه ، والصحيح أنه لا يجزئه ، وكذا لو وهب له ، فقبله ، أو أوصى له به ، فقبل وقلنا : تملك الوصية بالقبول ، ونوى العتق عن الكفارة ، وكذا لو ورثه أو ملك المكاتب من يعتق على سيده ، ثم عجزه السيد ، ونوى عتق قريبه عن الكفارة لأن العتق مستحق بجهة القرابة في كل هذه الصور . الثالثة : لو اشترى عبدا بشرط العتق ، فقد سبق في كتاب البيع أن المذهب أنه لا يجزئ إعتاقه عن الكفارة .

                                                                                                                                                                        الرابعة : إذا أعتق عن الكفارة مرهونا ، بني على الخلاف في نفوذ عتقه ، إن نفذناه ، أجزأ عن الكفارة إذا نواها ، وكذا إن لم ننفذه في الحال ونفذناه بعد الانفكاك باللفظ السابق ، ويكون كما لو علق عتق عبده عن الكفارة بشرط .

                                                                                                                                                                        وإعتاق الجاني عن الكفارة يبنى على نفوذ إعتاقه ، وقد ذكرناه في البيع . وقيل : لا يجزئ المرهون والجاني عن الكفارة وإن قلنا بنفوذ العتق ، لتعلق حق الغير بهما ، ونقصان التصرفات ، والمذهب الأول ، لأن الإعتاق إذا نفذناه رفع حق تعلق الغير ، ورجع إلى الفداء ، والموصى بمنفعته لا يجزئ على الأصح ، وقد ذكرناه في الوصية ، والمستأجر إن قلنا : يرجع على السيد بأجرة منافعه ، أجزأه ، وإلا فلا ، لنقصان منافعه .

                                                                                                                                                                        [ ص: 288 ] قلت : ولو أعتق عن الكفارة من تحتم قتله في المحاربة ، أجزأه ، ذكره القاضي حسين في تعليقه . - والله أعلم .

                                                                                                                                                                        الخامسة : يجزئ المدبر والمعلق عتقه بصفة ، ولو أراد بعد التعليق أن يجعل العتق المعلق عند حصوله عن الكفارة ، لم يجزئه . مثاله : قال : إن دخلت الدار ، فأنت حر ، ثم قال : إن دخلتها فأنت حر عن كفارتي ، فيعتق بالدخول ولا يجزئه عن الكفارة ، لأنه مستحق بالتعليق الأول .

                                                                                                                                                                        السادسة : أعتق عن الكفارة حاملا ، أجزأه ، وعتق الحمل تبعا ، ولو استثنى الحمل ، عتقا ، وبطل الاستثناء ، وأجزأه عتقها عن الكفارة على المشهور ، وحكى المتولي قولا أنه لا يجزئه ، لأن العتق عن الكفارة غير مبني على التغليب ، فبطل الاستثناء كما يبطل به البيع ، بخلاف مطلق العتق .

                                                                                                                                                                        السابعة : ملك نصف عبد ، فأعتقه عن كفارة وهو معسر ، ثم ملك باقيه فأعتقه عن تلك الكفارة ، أجزاه كما لو أطعم في أوقات ، فلو لم ينو الكفارة عند إعتاق باقيه ، لم يجزئه عن الكفارة على الصحيح . وقيل : يجزئه كما لو فرق وضوءه ، وجوزناه ، فإنه لا يجب تجديد النية على الأصح ، حكاه الفوراني . ولو ملك نصفا من عبد ، ونصفا من آخر ، فأعتق النصفين عن الكفارة وهو معسر ، فثلاثة أوجه . أحدها : لا يجزئه ، قاله ابن سريج وابن خيران ، لأنه لا يسمى عتق رقبة ، وكما لا يجزئ شقصان في الأضحية . والثاني : يجزئه ، وأصحهما : يجزئه إن كان باقيهما حرا ، وإلا فلا .

                                                                                                                                                                        وتجري الأوجه في ثلث أحدهما ، وثلثي الآخر ونظائرهما . ولو كان عليه كفارتان عن ظهارين ، أو ظهار وقتل ، فأعتق عبدين عن كل واحدة نصفا من هذا ، ونصفا من هذا ، أجزأه على المنصوص وهو المذهب .

                                                                                                                                                                        [ ص: 289 ] وقيل : فيه خلاف ، فعلى المذهب ، اختلف في كيفيته ، فعن أبي إسحاق أنه يعتق نصف كل عبد عن كفارة كما أوقعه ، وعن ابن سريج وابن خيران : يقع عبد عن هذه الكفارة ، وعبد عن هذه ، ويلغو تعرضه للتنصيف . ويجري الخلاف فيما لو أعتق عبدا عن كفارتين ، ففيه وجه : يعتد به وعليه إتمام كل واحدة ، قال الإمام : ولا حاجة إلى هذا التقدير .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا أعتق موسر نصيبه من عبد مشترك ، سرى إلى نصيب صاحبه ، وهل تحصل السراية بنفس اللفظ ، أم عند أداء القيمة ، أم موقوف ؟ فإذا أدى تبينا حصول العتق باللفظ ، فيه ثلاثة أقوال . ولو أعتق جميع العبد المشترك ، فمتى يعتق نصيب الشريك ؟ فيه الأقوال ، فإن قلنا : يعتق باللفظ ، فهل نقول : عتق الجميع دفعة ، أم يعتق نصيبه ثم يسري ؟ وجهان . وكل هذا يأتي إن شاء الله تعالى

                                                                                                                                                                        [ في كتاب العتق ] مبسوطا .

                                                                                                                                                                        وغرضنا هنا أن إعتاق المشرك عن الكفارة جائز ، سواء وجه العتق إلى جملته ، أم إلى نصيبه فقط لحصول العتق بالسراية في الحالين . وقال القفال : لا يجزئ عن جميع الكفارة إذا وجه العتق إلى نصيبه فقط ، لأن نصيب الشريك عتق بالشرع ، لا بإعتاقه ، والصحيح الأول ، ثم ينظر ، فإن أعتق نصيبه ونوى عتق الجميع عن الكفارة ، أجزاه عنها إن قلنا : يسري عند اللفظ ، أو موقوف . وإن قلنا : يسري عند أداء القيمة ، فهل تكفيه هذه النية لنصيب الشريك ، أم يحتاج إلى تجديد النية عند الأداء ؟ وجهان . أصحهما : تكفي لاقترانها بالعتق ، إلا أنه وقع مرتبا .

                                                                                                                                                                        ولو نوى في الحال صرف العتق في نصيبه إلى الكفارة ، ونوى عند أداء القيمة صرف العتق في نصيب الشريك إليها ، أجزأه على الصحيح . وقيل : يشترط أن ينوي الجميع في الابتداء ، لأن [ ص: 290 ] سبب عتق الجميع لفظه ، كما لو علق العتق بدخول الدار ، يشترط في الإجزاء عن الكفارة نيتها عند التعليق ، ولا يكفي اقترانها بالدخول ، فحصل أن الراجح أنه مخير في نصيب الشريك بين تقديم النية عند اللفظ وتأخيرها إلى الأداء ، هذا كله إذا نوى عتق الجميع عن الكفارة ووجه العتق إلى نصيبه .

                                                                                                                                                                        أما إذا وجه العتق إلى [ نصيبه بنية الكفارة ، ولم ينو الباقي ، فلا ينصرف الباقي إليها وإن حكمنا بعتقه في الحال ، ويجيء في وقوع نصيبه عن الكفارة الخلاف ] السابق في إعتاق بعض رقبة ، وحكى صاحب " الشامل " وغيره وجها أن الباقي ينصرف إلى الكفارة

                                                                                                                                                                        [ تبعا لنصيبه كما تبعه في أصل العتق ، ولو أعتق الجميع بنية الكفارة ] وقلنا : يسري عند اللفظ أو موقوف ، أجزأه ، وإن قلنا بحصوله عند أداء القيمة ، ففي " التهذيب " القطع بالإجزاء ، وأنه لا يحتاج إلى تجديد النية عند الأداء ، ويشبه أن يعود فيه الوجهان السابقان فيما إذا وجه العتق إلى نصيبه .

                                                                                                                                                                        المسألة الثامنة : العبد الغائب ، إن علم حياته ، أجزأه عن الكفارة ، وإن انقطع خبره ، لم يجزئه على المنصوص ، وهو المذهب ، فلو أعتقه عنها ، ثم تواصلت أخبار حياته ، تبينا إجزاءه عن الكفارة لحصول العتق في ملك تام بنية الكفارة . والآبق والمغصوب يجزئان إذا علم حياتهما على الصحيح لكمال الرق .

                                                                                                                                                                        قلت : الصواب ما قطع به الماوردي والفوراني وغيرهما ، أن الآبق يجزئ قطعا لاستقلاله بمنافعه كالغائب .

                                                                                                                                                                        وأما المغصوب ، فأكثر العراقيين : على أنه لا يجزئ قطعا ، لعدم استقلاله كالزمن ، وجمهور الخراسانيين على الإجزاء لتمام الملك والمنفعة ، وفيه وجه [ ص: 291 ] ثالث قاله صاحب " الحاوي " : إن قدر العبد على الخلاص من غاصبه بهرب إلى سيده ، أجزأه عن الكفارة لقدرته على منافع نفسه ، وإن لم يقدر على الخلاص ، فالإجزاء موقوف ، وإن لم يكن عتقه موقوفا كالغائب إذا علمت حياته بعد موته ، وهذا الذي قاله قوي جدا ، وحيث صححنا عتق الغائب ، والآبق ، والمغصوب ، أجزأه عن الكفارة ، سواء علم العبد بالعتق أم لا ، لأن علمه ليس بشرط في نفوذ العتق ، فكذا في الإجزاء ، ذكره صاحب " الحاوي " . - والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية