الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الطرف الثاني : في ترتيب المستحقين للحضانة ، فمتى اجتمع اثنان فصاعدا من مستحقي الحضانة ، نظر ؛ إن تراضوا بواحد ، فذاك ، وإن تدافعوا ، وجبت على من عليه النفقة ، وقيل : يقرع ، وتجب على من خرجت قرعته ، والصحيح الأول ، وإن طلبها كل واحدة ممن فيه شروطها ، فهم ثلاثة أضرب :

                                                                                                                                                                        الضرب الأول : محض الإناث ، فأولاهن الأم ، ثم أمهاتها المدليات بالإناث ، تقدم أقربهن ، وتقدم البعدى منهن على القربى من أمهات الأب ، ثم بعد أمهات الأم ، قولان : الجديد : تقدم أم الأب ، ثم أمهاتها المدليات بالإناث ، ثم أم أبي الأب ، ثم أمهاتها المدليات بالإناث ، ثم أم أبي الجد ، ثم أمهاتها كذلك ، وتقدم الأقرب منهن فالأقرب ، ويتأخر عنهن الأخوات والخالات ، ودليل هذا القول أنهن جدات وارثات فقدمن على الأخوات والخالات ، وعلى أن الخالات يقدمن على بنات الأخوات ، وبنات الإخوة ، والعمات ، لأنهن يشاركنهن في المحرمية والدرجة وعدم الإرث ، ويتميزون بالإدلاء بقرابة الأم ، وعن ابن سريج تقديم الخالة على الأخت للأب ، وهو شاذ ضعيف ، ثم الحضانة بعد الخالات لبنات الأخوات ، وبنات الإخوة يقدمن على العمات ، هكذا رتب الإمام والغزالي والبغوي ، وحكى الروياني هذا وجها ، وادعى أن الأصح تقديم العمات على بنات الإخوة وبنات الأخوات ، ثم حكى وجهين فيمن يقدم بعد العمات ، أحدهما : [ ص: 109 ] بنات الأخوات والإخوة ، ثم بنات سائر العصبات بعد الإخوة ، ثم بنات الخالات ، ثم بنات العمات ، ثم خالات الأم ، ثم خالات الأب ، ثم عماته . والثاني : تقدم بعد العمات خالات الأم ، ثم خالات الأب ، ثم عماته ، ولا حضانة لعمات الأم لإدلائهن بذكر غير وارث ، ثم خالات الجد ، ثم عماته ، وهكذا ، فإن فقدن جميعا ، فالحضانة لبنات الأخوات والإخوة ، وفي أي رتبة وقعن ، تقدم بنات الأخوات على بنات الإخوة ، كما تقدم الأخت على الأخ .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        الأخت من الأبوين ، تقدم على الأخت من الأب ، وعلى الأخت من الأم ، وأما الأخت من الأب ، والأخت من الأم ، فأيهما تقدم على صاحبتها ؟ وجهان : الصحيح المنصوص في الجديد والقديم : تقديم الأخت من الأب ، وقال المزني وابن سريج : تقدم الأخت من الأم ، وأما الخالة من الأب مع الخالة من الأم والعمة ، فإن قدمنا الأخت للأم على الأخت للأب ، فكذا هنا ، وإن قدمنا الأخت للأب ، فوجهان : أحدهما : تقدم الخالة للأم والعمة للأم ، وأصحهما : يقدم التي هي لأب ، وفي الخالة لأب وجه ، أنها لا تستحق حضانة أصلا ، لأنها تدلي بأبي أم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        المنصوص أنه لا حضانة لكل جدة تسقط في الميراث ، وهي من تدلي بذكر بين أنثيين ، وقيل : لهن الحضانة ، لكن يتأخرن عن جميع المذكورات أولا ، وقيل : يتقدمن على الأخوات والخالات ، لأنهن أصول ، ويتأخرن عن الجدات الوارثات ، وفي معنى الجدة الساقطة ، كل محرم يدلي بذكر لا يرث ، كبنت ابن البنت وبنت العم للأم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 110 ] الأنثى التي ليست بمحرم ، كابني الخالة والعمة ، وبنتي الخال والعم ، لهن الحضانة على الأصح ، فإن كان الولد ذكرا ، استمرت حضانتهن حتى يبلغ حدا يشتهى مثله ، وتقدم بنات الخالات على بنات الأخوات ، وبنات العمات على بنات الأعمام ، وتقدم بنات الخئولة على بنات العمومة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لبنت المجنون حضانته إذا لم يكن له أبوان ، ذكره ابن كج ، قال الروياني : ولو كان للمحضون زوجة كبيرة ، وكان له بها استمتاع ، أو لها به استمتاع ، فهي أولى بكفالته من جميع الأقارب ، وإن لم يكن استمتاع ، فالأقارب أولى ، وكذا لو كان للمحضونة زوج كبير ، وهناك استمتاع ، فهو أولى ، وإلا فالأقارب ، فإن كان لها قرابة أيضا ، فهل يرجح بالزوجية ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        الضرب الثاني : محض الذكور ، وهم أربعة أصناف : الأول : محرم وارث ، كالأب والجد والأخ وابن الأخ والعم ، فلهم الحضانة ، وحكى البغوي وغيره وجها ، أنه لا حضانة لغير الأب والجد من الرجال ، وقيل : لا حضانة للأخ من الأم خاصة لعدم العصوبة والولاية ، والصحيح الأول ، فيقدم الأب ، ثم الجد وإن علا ، يقدم منهم الأقرب فالأقرب ، ثم الأخ للأبوين ، ثم الأخ للأب ، ثم الأخ للأم ، ثم بنو الإخوة على هذا الترتيب ، ثم العم للأبوين ، ثم العم للأب ، ثم عم الأب ، ثم عم الجد ، هذا هو المذهب ، وفي وجه يقدم الأخ للأم على الأخ للأب ، وفي وجه يتقدم العم على الأخ للأم لعصوبته ، وفي وجه ، يتقدم الأعمام على بني الإخوة من الأم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 111 ] الصنف الثاني : وارث غير محرم ، كابن العم وابنه ، وابن عم الأب والجد ، فلهم الحضانة على الصحيح ، وفيهم الوجه الذي حكاه البغوي ، ثم إن كان الولد ذكرا أو أنثى لا تشتهى ، سلمت إليه ، وإن بلغت حدا تشتهى لم تسلم إليه ، لكن له أن يطلب تسليمها إلى امرأة ثقة ، وتعطى أجرتها ، فإن كانت له بنت ، سلمت إليه ، وفي ثبوت الحضانة للمعتق ، وجهان : أحدهما : نعم ، كالإرث ، وولاية النكاح ، وتحمل الدية ، وأصحهما : لا ، لعدم القرابة التي هي مظنة الشفقة ، فعلى هذا لو كانت له قرابة وهناك من هو أقرب منه ، فهل يرجح لانضمام عصوبة القرابة إلى عصوبة الولاء ؟ وجهان ، حكاهما الروياني ، مثاله : عم وعم أب معتق .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح لا يرجح . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        الصنف الثالث : محرم غير وارث ، كأبي الأم ، والخال ، والعم للأم ، وابن الأخت ، وابن الأخ للأم ، فلا حضانة لهم على الأصح ، لضعف قرابتهم ، فإن قلنا : لهم حضانة ، تأخروا عن المحارم الوارثين ، وعن الوارثين الذين لا محرمية لهم .

                                                                                                                                                                        الصنف الرابع : من ليس بمحرم ولا وارث من الأقارب ، كابن الخال والخالة والعمة ، فلا حضانة لهم على المذهب ، وقيل : وجهان ، وإذا أثبتنا الحضانة لجميع المذكورين من الأصناف الأربعة ، تفريعا على المذهب في بعضهم ، وعلى الضعيف في بعضهم ، وتركنا التقسيم ، قلنا : يقدم الأب ، ثم أب الأب وإن علا ، ثم الإخوة ، ثم بنوهم ، ثم الأعمام ، ثم بنوهم ، ثم أعمام الأب ، ثم بنوهم ، ثم أعمام الجد ، ثم بنوهم ، ثم الجد أبو الأم ، وكل جد يدلي بذكر بين أنثيين ، يقدم الأقرب منهم فالأقرب ، ثم الخال ، ثم العم للأم ، ثم ابن الخال ، ثم ابن العم للأم ، [ ص: 112 ] ثم المعتق ، ثم عصباته ، ومنهم من يقتضي كلامه تأخر بني العم عن أعمام الأب والجد ، لأن لهم محرمية مع الإرث .

                                                                                                                                                                        الضرب الثالث : في اجتماع الذكور والإناث ، فتقدم الأم على جميعهم ، حتى على الأب ، ثم أم الأم وإن علت ، تقدم على الأب وغيره ، فلو نكحت الأم ورضي أبو الولد وزوجها بكونه عندها ، سقط حق الجدة على الأصح ، وإذا اجتمع الأب والجدات من جهته ، قدم عليهن على الصحيح المنصوص ، لأنهن يدلين به ، وقيل : يتقدمنه لولادتهن وصلاحيتهن ، وطرد هذا الخلاف في الأخت للأب مع الأب وإن كانت فرعا له ، لصلاحيتها ، وأما الأخت من الأبوين ، أو من الأم والخالة ، فإن قلنا بالقديم وقدمناهن على أمهات الأب ، قدمناهن على الأب ، وإن قدمنا أمهات الأب على الأخت والخالة ، يقدم الأب هنا على الأصح المنصوص ، وقيل : يتقدمان عليه لأنوثتهما وإدلائهما بالأم ، فعلى هذا لو كانت مع الأب أو الأخت للأب والخالة أم الأب ، فوجهان ، قال الإصطخري : الحضانة للأب ، لأن الأخت تسقط بأم الأب ، وهي تسقط بالأب ، وقال الأكثرون : الحضانة للأخت ، لأنها مقدمة على الأب على الوجه الذي تفرع عليه ، وتسقط أم الأب بالأب . ولو اجتمع الأب والأخت للأب والأخت للأم ، وقلنا بالصحيح : إن الأخت للأم مقدمة على الأخت للأب ، فهل الحضانة للأب ، أم للأخت للأم ؟ فيه هذان الوجهان ، فإذا قلنا بالصحيح في تقديم الأب على أمهاته ، وبالأصح في تقديمه على الأخت للأم والخالة ، فالمقدم بعد أمهات الأم الأب ، ثم أمهاته المدليات بالإناث ، ثم الجد أبو الأب ، وفيه مع أمهاته ما في الأب ، ثم أبو الجد وأمهاته كذلك ، ويتقدمون جميعا على الأقارب الواقعين على حواشي النسب ، وأما الجدات الساقطات ، فقد سبق الكلام في استحقاقهن ، وفي زينتهن ، وإذا لم يوجد مستحق للحضانة من الأجداد [ ص: 113 ] والجدات ، فثلاثة أوجه ، أحدها : نساء القرابة وإن بعدن أولى من الذكور ، وإن كانوا عصبات ، لصلاحيتهن ، فعلى هذا تقدم الأخوات والعمات والخالات وبناتهن على الإخوة والأعمام وبنيهم ، والثاني : العصبات أولى ، لقوة نسبهم وقيامهم بالتأديب ، والثالث - وهو الأصح : لا يرجح واحد من الفريقين على الآخر ، بل يقدم منهم الأقرب فالأقرب ، فإن استوى اثنان ، قدم بالأنوثة ، فعلى هذا تقدم بعد الآباء والأمهات ، الإخوة والأخوات ، وتقدم الأخوات على الإخوة ، ثم بعد الإخوة بنات الأخوات ، ثم بنو الإخوة ، وتقدم بنت الأخ على ابن الأخت اعتبارا بمن يحضن لا بمن يدلي به ، فإن فقدوا كلهم ، فالحضانة للخئولة ، ثم العمومة ، وتقدم الخالات على الأخوال ، والعمات على الأعمام ، فإن فقدوا ، فالحضانة لأولادهم على ما ذكرنا في أصولهم ثم لخئولة الأبوين ثم لعمومتهما ، على هذا الترتيب ، وإذا استوى اثنان ، كأخوين أو خالتين ، وتنازعا ، أقرعنا ، وإذا لم يوجد أحد من نساء القرابة ولا من العصبات ، وهناك رجال من ذوي الأرحام ، فحكمهم ما ذكرنا في الصنف الرابع .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        الأخت مع الجد كهي مع الأب .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو كان في أهل الحضانة خنثى ، هل يتقدم على الذكر في موضع لو كان أنثى لتقدم لاحتمال الأنوثة ، أم لا لعدم الحكم بها ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح : الثاني . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 114 ] وإذا أخبر عن ذكورته أو أنوثته ، عمل بقوله في سقوط الحضانة ، وهل يعمل بها في استحقاقها ، أم لا يعمل للتهمة ؟ وجهان ، حكاهما الروياني .

                                                                                                                                                                        قلت : أصحهما : يعمل وهو الجاري على قواعد المذهب في نظائره . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية