الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 47 ] الفصل الثالث في أحكام الإمام وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                        إحداها : تجب طاعة الإمام في أمره ونهيه ما لم يخالف حكم الشرع ، سواء كان عادلا أو جائرا .

                                                                                                                                                                        الثانية : لا يجوز نصب إمامين في وقت واحد وإن تباعد إقليماهما ، وقال الأستاذ أبو إسحاق : يجوز نصب إمامين في إقليمين ; لأنه قد يحتاج إليه ، وهذا اختيار الإمام ، والصحيح الذي عليه الجمهور هو الأول ، فإن عقدت البيعة لرجلين معا ، فالبيعتان باطلتان ، وإن ترتبتا فالثانية باطلة ، ثم إن جهل الثاني ومبايعوه بيعة الأول ، لم يعزروا ، وإلا فيعزرون ، ولو عرف سبق أحدهما ولم يتعين ، أو شككنا في معيتهما وتعاقبهما ، فليكن كما سبق في الجمعتين ، ولو سبق أحدهما وتعين ، واشتبه ، وقف الأمر حتى يظهر ، فإن طالت المدة ، ولم يكن الانتظار ، فقد ذكر الماوردي أنه تبطل البيعتان ، وتستأنف بيعة لأحدهما ، وفي جواز العدول إلى غيرهما خلاف .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح المنع . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        قال الماوردي : ولو ادعى كل واحد أنه الأسبق ، لم تسمع دعواه ، ولم يحلف الآخر ; لأن الحق للمسلمين ، ولو قطعا التنازع ، وسلم أحدهما الأمر للآخر ، لم تثبت الإمامة له ، بل لا بد من بينة بسبقه ، قال : ولو أقر أحدهما بسبق صاحبه ، خرج منها المقر ، ولا تثبت للآخر إلا ببينة ، فإن شهد له المقر مع آخر ، قبلت شهادته إن كان يدعي اشتباه الأمر قبل الإقرار ، وإن كان يدعي التقديم ، لم تسمع للتكاذب في قوليه .

                                                                                                                                                                        [ ص: 48 ] المسألة الثالثة : إذا ثبتت الإمامة بالقهر والغلبة ، فجاء آخر ، فقهره ، انعزل الأول ، وصار القاهر الثاني إماما .

                                                                                                                                                                        الرابعة : لا يجوز خلع الإمام بلا سبب ، فلو خلعوه ، لم ينخلع ، ولو خلع الإمام نفسه ، نظر ، إن خلع لعجزه عن القيام بأمور المسلمين لهرم أو مرض ونحوهما ، انعزل ، ثم إن ولى غيره قبل عزل نفسه ، انعقدت ولايته ، وإلا فيبايع الناس غيره ، وإنعزل نفسه بلا عذر ، ففيه أوجه : أصحها : لا ينعزل ، وبه قطع صاحب " البيان " وغيره ، والثاني : ينعزل ; لأن إلزامه الاستمرار قد يضر به في آخرته ودنياه ، والثالث وبه قطع البغوي : إن لم يظهر عذر ، فعزل نفسه ولم يول غيره ، أو ولى من هو دونه ، لم ينعزل ، وإن ولى مثله ، أو أفضل ، ففي الانعزال وجهان ، وهل للإمام عزل ولي العهد ؟ قال المتولي : نعم ، والماوردي : لا ; لأنه ليس نائبا له بل للمسلمين .

                                                                                                                                                                        قلت : قول الماوردي أصح ، قال الماوردي : فلو عزله الإمام ، وعهد إلى ثان ، ثم عزل المعهود إليه أولا نفسه ، فعهد الثاني باطل ، ولا بد من استئنافه . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        الخامسة : سبق في باب الأوصياء أن الإمام لا ينعزل بالفسق على الصحيح ، ولا ينعزل بالإغماء ; لأنه متوقع الزوال ، وينعزل بالمرض الذي ينسيه العلوم ، وبالجنون ، قال الماوردي : فلو كان يجن ويفيق ، وزمن الإفاقة أكثر ، ويمكن فيه من القيام بالأمور ، لم ينعزل ، وينعزل بالعمى والصمم والخرس ، ولا ينعزل بثقل السمع ، وتمتمة اللسان ، وفي منعهما ابتداء الولاية خلاف ، والأصح أن قطع إحدى اليدين أو الرجلين ، لا يؤثر في الدوام وبالله التوفيق .

                                                                                                                                                                        [ ص: 49 ] قلت : ومما يتعلق بالباب مسائل ، إحداها : قال الماوردي : لو أسر الإمام ، لزم الأمة استنقاذه ، وهو على إمامته ما دام مرجو الخلاص بقتال أو فداء ، فإن أيس منه ، نظر ، إن أسره كفار ، خرج من الإمامة ، وعقدوها لغيره ، فإن عهد بالإمامة وهو أسير ، نظر إن كان بعد اليأس من خلاصه ، لم يصح عهده ; لأنه عهد بعد انعزاله ، وإن عهد قبل اليأس ، صح عهده لبقاء ولايته ، وتستقر إمامة المعهود إليه باليأس من خلاص العاهد لانعزاله ، ولو خلص من أسره ، نظر إن خلص بعد اليأس ، لم تعد إمامته ، بل تستقر لولي عهده ، وإن خلص قبل اليأس ، فهو على إمامته ، وأما إذا أسره بغاة من المسلمين ، فإن كان مرجو الخلاص ، فهو على إمامته ، وإن لم يرج وكانت البغاة لا إمام لهم ، فالأسير على إمامته ، وعلى أهل الاختيار أن يستنيبوا عنه إن لم يقدر هو على الاستنابة ، فإن قدر ، فهو أحق بالاستنابة ، فإن خلع الأسير نفسه ، أو مات ، لم يصر المستناب إماما ، وإن كان للبغاة الذين أسروه إمام نصبوه ، خرج الأسير من الإمامة إن أيس من خلاصه ، وعلى أهل الاختيار في دار العدل عقد الإمامة لمن يصلح لها ، فإن خلص الأسير ، لم يعد إلى الإمامة لخروجه منها .

                                                                                                                                                                        المسألة الثانية : تجب نصيحة الإمام بحسب القدرة .

                                                                                                                                                                        الثالثة : يجوز أن يقال للإمام : الخليفة والإمام وأمير المؤمنين ، قال الماوردي : ويقال أيضا : خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال البغوي في شرح السنة : ويقال له أمير المؤمنين وإن كان فاسقا ، وقد أوضحت ذلك وما يتعلق به في أواخر كتاب الأذكار . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية