الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        قولنا : إيلاج الفرج في الفرج ، يدخل فيه اللواط ، وهو من الفواحش الكبائر ، فإن لاط بذكر ، ففي عقوبة الفاعل قولان ، أظهرهما : أن حده حد الزنا ، فيرجم إن كان محصنا ، ويجلد ويغرب إن لم يكن محصنا ، والثاني : يقتل محصنا كان أو غيره ، وفي كيفية قتله أوجه ، أحدها : بالسيف كالمرتد ، والثاني : يرجم تغليظا عليه ، والثالث ، يهدم عليه جدار ، أو يرمى من شاهق حتى يموت أخذا من عذاب قوم لوط صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 91 ] قلت : أصحهما بالسيف . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وأما المفعول به ، فإن كان صغيرا أو مجنونا أو مكرها ، فلا حد عليه ، ولا مهر ; لأن منفعة البضع غير متقومة ، وإن كان مكلفا طائعا ، فإن قلنا : إن الفاعل يقتل ، قتل المفعول به بما يقتل الفاعل ، وإن قلنا : حده حد الزنا ، جلد المفعول به وغرب محصنا كان أو غيره ، وإن وطئ امرأة أجنبية في دبرها ، فطريقان ، أصحهما : أنه كاللواط بذكر ، فيجيء في الفاعل القولان ، وتكون عقوبة المرأة الجلد والتغريب على الأصح ، وقيل : هو زنى في حقها ، فترجم المحصنة ، وتجلد وتغرب غيرها ، ولو لاط بعبده ، فهو كاللواط بأجنبي ، ولو وطئ زوجته أو أمته في دبرها ، فالمذهب أن واجبه التعزيز ، وقيل : في وجوب الحد قولان ، كوطء الأخت المملوكة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        المفاخذات ومقدمات الوطء ، وإتيان المرأة ، لا حد فيها ، ولو وجدنا رجلا وامرأة أجنبيين تحت لحاف ، ولم يعرف غير ذلك لم نحدهما ، ويجب التعزير في هذه الصور ، ولو وجدنا بامرأة خلية حبلا ، أو ولدت وأنكرت الزنا ، فلا حد .

                                                                                                                                                                        قلت : ولو لم تنكر ، ولم تعترف ، بل سكتت فلا حد ، وإنما يجب الحد ببينة أو اعتراف . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        والاستمناء حرام ، وفيه التعزير ، ولو مكن امرأته أو جاريته من العبث بذكره ، فأنزل ، قال القاضي حسين في أول فتاويه : يكره ; لأنه في معنى العزل .

                                                                                                                                                                        [ ص: 92 ] فصل

                                                                                                                                                                        أما قولنا : المشتهي طبعا ، فيحترز عن صورتين إحداهما : إذا أولج في فرج ميتة ، فلا حد في الأصح ، الثانية : إتيان البهيمة حرام ، وفي واجبه أقوال ، أظهرها : التعزير ، والثاني : القتل محصنا كان أو غيره ، والثالث : حد الزنا ، فيفرق بين المحصن وغيره ، وقيل : واجبه واجب اللواط ، وقيل : التعزيز قطعا ، فإن قلنا : يقتل ، ففي كيفيته الخلاف السابق في اللواط ، وفي قتل البهيمة ثلاثة أوجه ، أصحهما : تقتل المأكولة دون غيرها ، وسواء أتاها في دبرها أو قبلها ، وقيل : إن أتاها في دبرها ، لم نقتلها ، وهل يحل أكلها إذا كانت مأكولة فذبحت ؟ وجهان ، أصحهما : نعم ، وقيل : يحل قطعا ، فإن قلنا : لا يحل أكلها ، أو كانت غير مأكولة ، فهل يجب ضمانها إذا كانت لغير الفاعل ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        أصحهما : نعم ، فعلى هذا هل الضمان على الفاعل أم في بيت المال ، أصحهما : الأول كالوجهين في أجرة الجلاد ، وإن قلنا : يحل أكلها ، ففي التفاوت بين قيمتها حية ومذبوحة الوجهان ، ولو مكنت امرأة قردا من نفسها ، كان الحكم كما لو أتى الرجل بهيمة ، حكاه البغوي وغيره ، ولا يثبت اللواط وإتيان البهيمة إلا بأربعة عدول ، وقيل : إن قلنا : الواجب التعزير ، كفى عدلان ، وهو ضعيف مخالف للنص .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        أما قولنا : لا شبهة فيه ، فالشبهة ثلاثة أقسام في المحل والفاعل والجهة .

                                                                                                                                                                        أما الشبهة في المحل ، فوطء زوجته الحائض والصائمة والمحرمة ، وأمته قبل الاستبراء ، وجارية ولده ، لا حد فيه ، ولو وطئ أمته المحرمة [ ص: 93 ] عليه بمحرمية رضاع أو نسب أو مصاهرة ، كأخته منهما وبنته وأمه من رضاع ، وموطوءة أبيه وابنه ، لم يجب الحد على الأظهر ، ولو وطئ جارية له فيها شرك ، أو أمته المزوجة ، أو المعتدة من غيره ، أو المجوسية والوثنية ، أو أسلمت أمة ذمي فوطئها قبل أن تباع ، فلا حد على المذهب ، وقيل : فيه القولان ، فإن قلنا : لا حد ، ثبت النسب والمصاهرة ، وإلا فلا ، وقيل : يثبت النسب وتصير الجارية أم ولد بلا خلاف .

                                                                                                                                                                        وأما الشبهة في الفاعل ، فمثل أن يجد امرأة في فراشه ، فيطأها ظانا أنها زوجته أو أمته ، فلا حد ، وإذا ادعى أنه ظن ذلك ، صدق بيمينه ، نص عليه ، وسواء كان ذلك ليلة الزفاف أو غيرها ، ولو ظنها جارية له فيها شرك فكانت غيرها ، وقلنا : لا يجب الحد بوطء المشتركة ، قال الإمام : فيه تردد ، يجوز أن يقال : لا حد ; لأنه ظن ما يسقط الحد ، ويجوز أن يقال : يحد ; لأنه علم التحريم ، وإنما جهل وجوب الحد ، وكان من حقه أن يمتنع .

                                                                                                                                                                        قلت : هذا الثاني هو الظاهر الجاري على القواعد في نظائره . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وأما الشبهة في الجهة ، فقال الأصحاب : كل جهة صححها بعض العلماء ، وأباح الوطء بها ، لا حد فيها على المذهب ، وإن كان الواطئ يعتقد التحريم ، وذلك كالوطء في النكاح بلا ولي ، كمذهب أبي حنيفة ، وبلا شهود كمذهب مالك ، ونكاح المتعة ، وقيل : يجب في النكاح بلا ولي على من يعتقد تحريمه دون غيره ، وقيل : يجب على من اعتقد الإباحة أيضا ، كما يحد الحنفي على شرب النبيذ ، ولو وطئ المرهونة بإذن الراهن ، وجب الحد على الصحيح .

                                                                                                                                                                        [ ص: 94 ] فرع

                                                                                                                                                                        لو تزوج بنته أو غيرها من محارمه بنسب أو رضاع أو مصاهرة ، أو من طلقها ثلاثا ، أو من لاعنها ، أو نكح من تحته أربع خامسة ، أو نكح أختا على أخت ، أو معتدة أو مرتدة ، أو نكح ذات زوج ، أو نكح كافر مسلمة ووطئ عالما بالحال ، وجب الحد ; لأنه وطء صادف محلا لا ملك له فيه ولا شبهة ملك ، وهو مقطوع بتحريمه ، فتعلق به الحد ، وحكى ابن كج فيمن نكح أخته من رضاع ، ووطئ وادعى جهل التحريم ، قولين في تصدقيه ، ولا خلاف أنه لا يقتل في الأخت من النسب ، ولو نكح وثنية أو مجوسية ، قال البغوي : وجب الحد ، وقال الروياني في " جمع الجوامع " : لا حد في المجوسية للخلاف ، ولو ادعى الجهل بكونها معتدة ، أو مزوجة ، حلف إن كان ما يدعيه ممكنا ، ولا حد ، نص عليه ، وعن القاضي أبي حامد أنه نقل أن اليمين مستحبة ، ولو قالت المرأة : علمت أني معتدة أو مزوجة ، حدت ، وإن لم يحد الواطئ ، ولو استأجر امرأة ، فزنى بها ، لزمها الحد ولو أباحت له الوطء لزمهما الحد ، ولو أباح وطء جاريته لغيره ، فعلى ما ذكرنا في الرهن ، ولو زنت خرساء بناطق ، أو عكسه ، أو زنى بامرأة له عليها قصاص ، لزمهما الحد ، ويقبل إقرار الأخرس ، ولو زنى مكلف بمجنونة ، أو مراهقة ، أو نائمة ، حد ، ولو مكنت مكلفة مجنونا أو مراهقا ، أو استدخلت ذكر نائم ، لزمها الحد ، ولو قال : زنيت بها ، فأنكرت ، لزمه حد الزنا وحد القذف ، ولو زنى في دار الحرب ، وجب عليه الحد ، والمشهور أن للإمام أن يقيمه هناك إن لم يخف فتنة ، وفي قول : لا يقيمه هناك .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية