الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الشرط الخامس : الجماعة . فلا تصح الجمعة بالعدد فرادى . وشروط الجماعة : على ما سبق في غير الجمعة . ولا يشترط حضور السلطان ، ولا إذنه فيها . وحكى في ( البيان ) قولا قديما : أنها لا تصح إلا خلف الإمام ، أو من أذن له ، وهو شاذ منكر . ثم لإمام الجمعة أحوال .

                                                                                                                                                                        أحدها : أن يكون عبدا ، أو مسافرا ، فإن تم به العدد ، لم تصح الجمعة ، وإن تم بغيره ، صحت على المذهب . وقيل : وجهان . أصحهما : الصحة . والثاني : البطلان . هذا إذا صليا الجمعة قبل أن يصليا الظهر . فإن كانا صليا ظهر يومهما ، فهما متنفلان بالجمعة . وفي الجمعة خلفهما ما يأتي في المتنفل .

                                                                                                                                                                        الحال الثاني : أن يكون صبيا ، أو متنفلا ، فإن تم العدد به ، لم تصح ، وإن تم دونه ، صحت على الأظهر عند الأكثرين . واتفقوا على أن الجواز في المتنفل أظهر منه في الصبي ; لأنه من أهل الفرض ولا نقص فيه .

                                                                                                                                                                        الحال الثالث : أن يصلوا الجمعة خلف من يصلي صبحا ، أو عصرا ، فكالمتنفل . وقيل : تصح قطعا ، لأنه يصلي فرضا . ولو صلوا خلف مسافر يقصر الظهر ، جاز إن قلنا : إن الجمعة ظهر مقصورة . وإن قلنا : صلاة على حيالها ، فكالصبح .

                                                                                                                                                                        الحال الرابع : إذا بان الإمام بعد الصلاة جنبا أو محدثا ، فإن تم العدد به ، لم تصح . وإن تم دونه ، فالأظهر : الصحة . نص عليه في ( الأم ) ، [ ص: 11 ] وصححه العراقيون ، وأكثر أصحابنا . والثاني : لا تصح ، لأن الجماعة شرط ، والإمام غير مصل ، بخلاف سائر الصلوات ، فإن الجماعة فيها ليست شرطا . وغايته أنهم صلوها فرادى . والمنع هنا أقوى منه في مسألة الاقتداء بالصبي . وقال الأكثرون المرجحون للأول : لا نسلم أن حدث الإمام يمنع صحة الجماعة ، وثبوت حكمها في حق المأموم الجاهل بحاله . وقالوا : لا يمنع نيل فضيلة الجماعة في سائر الصلوات ، ولا غيره من أحكام الجماعة . وعلى الأظهر ، قال صاحب ( البيان ) : لو صلى الجمعة بأربعين ، فبان أن المأمومين محدثون ، صحت صلاة الإمام . بخلاف ما لو بانوا عبيدا ، أو نساء ، فإن ذلك مما يسهل الاطلاع عليه . وقياس من يذهب إلى المنع : أن لا تصح جمعة الإمام لبطلان الجماعة .

                                                                                                                                                                        الحال الخامس : إذا قام الإمام في غير الجمعة إلى ركعة زائدة سهوا ، فاقتدى به إنسان فيها ، وأدرك جميع الركعة ، فإن كان عالما بسهوه ، لم تنعقد صلاته على الأصح . وإن كان جاهلا ، حسبت له الركعة ، ويبني عليها بعد سلام الإمام وإن لم تكن تلك الركعة محسوبة للإمام كالمحدث . بخلاف ما لو بان الإمام كافرا ، أو امرأة ، لأنهما ليسا أهلا للإمامة بحال . وعلى الوجه الثاني : لا تنعقد الصلاة ، ولا تحسب هذه الركعة للمأموم . فلو جرى هذا في الجمعة ، فإن قلنا : في غير الجمعة لا يدرك به الركعة ، لم يدرك به هنا الجمعة ، ولا تحسب عن الظهر أيضا ، وإن قلنا : يدركها في غير الجمعة ، فهل تحسب هذه الركعة عن الجمعة ؟ وجهان بناء على القولين في المحدث . واختار ابن الحداد : أنها لا تحسب .

                                                                                                                                                                        واعلم أن الأصحاب لم يذكروا في المحدث إذا لم تحصل الجمعة : أن صلاة المقتدي به منعقدة ، وأن المأتي به يحسب عن الظهر ، حتى لو تبين الحال قبل سلام الإمام أو بعده على قرب ، يتمها ظهرا إذا جوزنا بناء الظهر على الجمعة . ومقتضى التسوية بين الفصلين : الانعقاد والاحتساب عن الظهر .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية