الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 13 ] فصل

                                                                                                                                                                        إذا خرج الإمام عن الصلاة بحدث تعمده ، أو سبقه ، أو بسبب غيره ، أو بلا سبب ، فإن كان في غير الجمعة ، ففي جواز الاستخلاف قولان . أظهرهما الجديد : يجوز . والقديم : لا يجوز . ولنا وجه : أنه يجوز بلا خلاف في غير الجمعة . وإنما القولان في الجمعة ، والمذهب : طرد القولين في جميع الصلوات . فإن لم نجوز الاستخلاف ، أتم القوم صلاتهم فرادى . وإن جوزناه ، فيشترط كون الخليفة صالحا لإمامة القوم . فلو استخلف لإمامة الرجال امرأة ، فهو لغو ، ولا تبطل صلاتهم إلا أن يقتدوا بها . قال إمام الحرمين : ويشترط حصول الاستخلاف على قرب . فلو فعلوا على الانفراد ركنا ; امتنع الاستخلاف بعده . وهل يشترط كون الخليفة ممن اقتدى بالإمام قبل حدثه ؟ قال الأكثرون من العراقيين ، وغيرهم : إن استخلف في الركعة الأولى أو الثالثة من الرباعية من لم يقتد به جاز ، لأنه لا يخالفهم في الترتيب ، وإن استخلفه في الثانية ، أو الأخيرة ، لم يجز ، لأنه يحتاج إلى القيام ، ويحتاجون إلى القعود . وأطلق جماعة اشتراط كون الخليفة ممن اقتدى به . وبه قطع إمام الحرمين ، وزاد فقال : لو أمر الإمام أجنبيا فتقدم ، لم يكن خليفة ، بل عاقد لنفسه صلاة ، جاز على ترتيب نفسه فيها . فلو اقتدى به القوم ، فهو اقتداء منفردين في أثناء الصلاة . وقد سبق الخلاف فيه في موضعه ، لأن قدوتهم انقطعت بخروج الإمام عن الصلاة . ولا يشترط كون الخليفة مقتديا في الأولى ، بل يجوز استخلاف المسبوق . ثم عليه مراعاة نظم صلاة الإمام ، فيقعد في موضع قعوده ، ويقوم في موضع قيامه ، كما كان يفعل لو لم يخرج عن الصلاة ، حتى لو لحق الإمام في ثانية الصبح ، ثم أحدث الإمام فيها ، واستخلفه ; قنت وقعد فيها للتشهد ، ثم يقنت في الثانية لنفسه . ولو سها [ ص: 14 ] قبل اقتدائه ، أو بعده ، سجد في آخر صلاة الإمام ، وأعاد في آخر صلاة نفسه على الأظهر . وإذا تمت صلاة الإمام ، قام لتدارك ما عليه . وهم بالخيار ، إن شاءوا فارقوه وسلموا ، وإن شاءوا صبروا جلوسا ليسلموا معه . هذا كله إذا عرف المسبوق نظم صلاة الإمام ، فإن لم يعرف ، فقولان . وقيل : وجهان .

                                                                                                                                                                        قلت : أرجحهما دليلا : أنه لا يصح . وقال الشيخ أبو علي السنجي : أصحهما : جوازه . - والله أعلم -

                                                                                                                                                                        فإن جوزنا ، راقب القوم إذا أتم الركعة ، فإن هموا بالقيام ، قام ، وإلا قعد . وسهو الخليفة قبل حدث الإمام ، يحمله الإمام . وسهوه بعده يقتضي السجود عليه وعلى القوم . وسهو القوم قبل حدث الإمام وبعد الاستخلاف ، محمول ، وبينهما غير محمول ، بل يسجد الساهي بعد سلام الخليفة . هذا كله في غير الجمعة .

                                                                                                                                                                        أما الاستخلاف في الجمعة ، ففيه القولان . فإن لم نجوزه : فالمذهب أنه إن أحدث في الأولى ، أتم القوم صلاتهم ظهرا . وإن أحدث في الثانية ، أتمها جمعة من أدرك معه ركعة . ولنا قول : أنهم يتمونها جمعة في الحالين . ووجه : أنهم يتمونها ظهرا في الحالين . وإن جوزنا الاستخلاف ، نظر ، إن استخلف من لم يقتد به ، لم يصح ، ولم يكن لذلك الخليفة أن يصلي الجمعة ، لأنه لا يجوز ابتداء جمعة بعد جمعة . وفي صحة ظهر هذا الخليفة خلاف مبني على أن الظهر هل تصح قبل فوات الجمعة ، أم لا ؟ فإن قلنا : لا تصح ، فهل تبقى نفلا ؟ فيه القولان . فإن قلنا : لا تبقى فاقتدى به القوم ، بطلت صلاتهم . فإن صححناها وكان ذلك في الركعة الأولى ، فلا جمعة لهم . وفي صحة الظهر خلاف مبني على صحة الظهر بنية الجمعة . وإن كان في الركعة الثانية واقتدوا به ، كان هذا اقتداء طارئا على الانفراد . وفيه الخلاف الجاري في سائر الصلوات . وفيه شيء [ ص: 15 ] آخر ، وهو الاقتداء في الجمعة بمن يصلي الظهر ، أو النافلة ، وفيه الخلاف المتقدم . أما إذا استخلف من اقتدى به قبل الحدث ، فينظر ، إن لم يحضر الخطبة ، فوجهان . أحدهما : لا يصح استخلافه ، كما لو استخلف بعد الخطبة من لم يحضرها ليصلي بهم ، فإنه لا يجوز . وأصحهما : الجواز . ونقل الصيدلاني في هذا الخلاف قولين : المنع عن البويطي ، والجواز عن أكثر الكتب . والخلاف في مجرد حضور الخطبة . ولا يشترط استماعها بلا خلاف ، وصرح به الأصحاب . وإن كان حضر الخطبة ، أو لم يحضرها ، وجوزنا استخلافه ، نظر ، إن استخلف من أدرك معه الركعة الأولى ، جاز وتمت لهم الجمعة ، سواء أحدث الإمام في الأولى أم الثانية . وفي وجه شاذ ضعيف : أن الخليفة يصلي الظهر ، والقوم يصلون الجمعة . وإن استخلف من أدركه في الثانية ، قال إمام الحرمين : إن قلنا : لا يجوز استخلاف من لم يحضر الخطبة ، لم يجز استخلاف هذا المسبوق ، وإلا فقولان . أظهرهما - وبه قطع الأكثرون - الجواز . فعلى هذا ، يصلون الجمعة . وفي الخليفة وجهان . أحدهما : يتمها جمعة . والثاني ، وهو الصحيح المنصوص : لا يتمها جمعة . فعلى هذا ، يتمها ظهرا على المذهب . وقيل : قولان . أحدهما : يتمها ظهرا . والثاني : لا . فعلى هذا ، هل تبطل ، أم تنقلب نفلا ؟ قولان . فإن أبطلناها ، امتنع استخلاف المسبوق . وإذا جوزنا الاستخلاف ، والخليفة مسبوق ، يراعي نظم صلاة الإمام ، فيجلس إذا صلى ركعة ويتشهد ، فإذا بلغ موضع السلام ، أشار إلى القوم ، وقام إلى ركعة أخرى إن قلنا : إنه مدرك للجمعة ، وإلى ثلاث إن قلنا : صلاته ظهر . والقوم بالخيار إن شاءوا فارقوه وسلموا ، وإن شاءوا ثبتوا جالسين حتى يسلم بهم . ولو دخل مسبوق واقتدى به في [ ص: 16 ] الركعة الثانية التي استخلف فيها ، صحت له الجمعة وإن لم تصح للخليفة ، نص عليه الشافعي - رحمه الله - . قال الأصحاب : هو تفريع على صحة الجمعة خلف مصلي الظهر . وتصح جمعة الذين أدركوا مع الإمام الأول ركعة بكل حال ، لأنهم لو انفردوا بالركعة الثانية ، كانوا مدركين للجمعة ، فلا يضر اقتداؤهم فيها بمصلي الظهر أو النفل .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية