الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        في مسائل منثورة . حلف : لا يدخل هذه وأشار إلى دار ، فانهدمت ، حنث بدخوله عرصتها . ولو قال : لا أدخل هذه الدار فانهدمت ، نظر إن بقيت أصول الحيطان والرسوم ، حنث ، وإن صارت فضاء ، فدخلها ، لم يحنث على المذهب ، وبه قطع الأكثرون ، وجعله الإمام على الوجهين فيمن قال : لا آكل هذه الحنطة ، فأكل دقيقها . [ ص: 85 ] وكذا لو حلف : لا يدخل دارا أو بيتا ، فدخل عرصة كانت دارا أو بيتا . ولو جعلت الدار مسجدا ، أو بستانا أو حماما ، لم يحنث بدخوله ، ولو أعيدت الدار بغير الآلة الأولى ، فدخلها ، لم يحنث ، وإن أعيدت بتلك الآلة فوجهان .

                                                                                                                                                                        قلت : أصحهما الحنث . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        ولو حلف : لا يشم الريحان ، حنث بشم الضيمران دون الورد والبنفسج والياسمين والنرجس والمرزنجوش والزعفران ، ويمكن أن يقال : هذا فيما إذا ذكر الريحان معرفا ، فأما إذا نكره ، فقال : لا أشم ريحانا ، فيحنث بها كلها .

                                                                                                                                                                        قلت : الظاهر من حيث الدليل ، ومن مقتضى كلام الأصحاب أنه لا فرق ، ولا يحنث مطلقا بما بعد الضيمران . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        ولو حلف : لا يشم مشموما ، حنث بشم جميع ذلك ، ولا يحنث بشم المسك والكافور والعود والصندل . ولو حلف : لا يشم الورد والبنفسج ، فشمهما بعد الجفاف ، فوجهان ولا يحنث بشم دهنهما . ولو حلف : لا يستخدم زيدا ، فخدمه من غير أن يطلب الحالف ذلك ، لم يحنث ، سواء فيه عبده وغيره . ولو حلف : لا يتسرى فثلاثة أوجه ، الأصح المنصوص : أن التسري إنما يحصل بثلاثة أشياء : ستر الجارية عن أعين الناس والوطء والإنزال ، والثاني : يكفي الستر والوطء ، والثالث : يكفي الوطء . ولو حلف : لا يقرأ القرآن ، فقرأ جنبا ، [ ص: 86 ] حنث . وإن حلف : ليقرأن ، فقرأه جنبا ، بر ، بخلاف ما لو نذر أن يقرأ فقرأ جنبا ، لا يجزئه ، لأن المقصود من النذر التقرب ، والمعصية لا يتقرب بها . ولو حلف : ليقرأن جنبا ، بر بالقراءة جنبا ، وإن عصى ولو نذر أن يقرأ جنبا ، لغا نذره .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        في فتاوى القفال أنه لو قال : لا أصلي على هذا المصلى ، ففرش فوقه ثوبا وصلى عليه ، فإن نوى أنه لا يباشره بقدميه وجبهته وثيابه ، لم يحنث ، وإلا فيحنث ، كما لو قال : لا أصلي في هذا المسجد ، فصلى على حصير فيه ، وإن علق به الطلاق ، ثم قال : أردت أني لا أباشره ، دين ، ولم يقبل في الحكم ، وأنه لو حلف : لا يكلم زيدا شهرا ، فولاه ظهره ، ثم قال : يا زيد افعل كذا ، حنث ، ولو أقبل على الجدار ، وقال : يا جدار افعل كذا ، لم يحنث وإن كان غرضه إفهام زيد . وكذا لو أقبل على الجدار وتكلم ولم يقل : يا زيد ولا يا جدار ، لم يحنث ، وأنه لو حلف : لا يلبس ثوبا من غزلها ، فرقع ثوبه برقعة كرباس من غزلها ، حنث ، وقال أبو عاصم العبادي : لا يحنث وتلك الرقعة تبع .

                                                                                                                                                                        قلت : قول أبي عاصم هو الصحيح ، لأنه لا يسمى لابسا ثوبا من غزلها . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        ولو تعمم بعمامة ، نسجت من غزلها ، حنث إن حلف بالعربية ، وإن حلف بالفارسية ، فلا ، وإن التحف بلحاف من غزلها ، لم يحنث .

                                                                                                                                                                        قلت : يجيء فيه الخلاف السابق في التدثر . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        وأنه لو حلف : لا يفعل كذا ، ففعله في حال جنونه ، ففي الحنث قولان .

                                                                                                                                                                        [ ص: 87 ] فرع

                                                                                                                                                                        في " المبتدأ " في الفقه للقاضي الروياني أنه لو قال : لا أدخل حانوت فلان ، فدخل الحانوت الذي يعمل فيه وهو ملك غيره ، لم يحنث ، نص عليه الشافعي - رحمه الله - ، قال : والفتوى أنه يحنث ، لأنه لا يراد به إلا الذي يسكنه ويعمل فيه . ولو قيل له : كلم زيدا اليوم ، فقال : والله لا كلمته ، انعقدت اليمين على الأبد إلا أن ينوي اليوم ، فإن كان ذلك في طلاق وقال : أردت اليوم ، لم يقبل في الحكم .

                                                                                                                                                                        قلت : الصواب قبوله في الحكم كما سبق في نظائره في كتاب الطلاق . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية