الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        أما سنن الطواف ، فخمس .

                                                                                                                                                                        الأولى : أن يطوف ماشيا ، ولا يركب إلا لعذر مرض أو نحوه ، أو كان ممن يحتاج إلى ظهوره ليستفتى . ولو طاف راكبا بلا عذر جاز بلا كراهة ، كذا قاله الأصحاب . قال الإمام : وفي القلب من إدخال البهيمة التي لا يؤمن تلويثها المسجد شيء . فإن أمكن الاستيثاق فذاك ، وإلا فإدخالها مكروه .

                                                                                                                                                                        [ ص: 85 ] الثانية : أن يستلم الحجر الأسود بيده في ابتداء الطواف ، ويقبله ويضع جبهته عليه . فإن منعته الزحمة من التقبيل ، اقتصر على الاستلام . فإن لم يمكن ، اقتصر على الإشارة باليد ، ولا يشترط بالفم إلا التقبيل . ولا يقبل الركنين الشاميين ، ولا يستلمهما . ويستلم الركن اليماني ، ولا يقبله . ويستحب ، أن يقبل اليد بعد استلام اليماني ، وبعد استلام الحجر الأسود إذا اقتصر على استلامه للزحمة .

                                                                                                                                                                        وذكر إمام الحرمين : أنه مخير بين أن يستلم ثم يقبل اليد ، وبين أن يقبل اليد ، ثم يستلم . والمذهب : القطع بتقديم الاستلام ، ثم تقبيلها ، وبهذا قطع الجمهور . ولو لم يستلم بيده ، فوضع عليه خشبة ، ثم قبل طرفها جاز .

                                                                                                                                                                        قلت : الاستلام بالخشبة ونحوها ، مستحب إذا لم يتمكن من الاستلام باليد . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        ويستحب تقبيل الحجر ، واستلامه ، واستلام اليماني عند محاذاتهما في كل طوفة ، وهو في الأوتار آكد ؛ لأنها أفضل .

                                                                                                                                                                        قلت : ولا يستحب للنساء استلام ، ولا تقبيل إلا عند خلو المطاف في الليل أو غيره . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        الثالثة : الدعاء ، فيستحب أن يقول في ابتداء الطواف : بسم الله ، والله أكبر ، اللهم إيمانا بك ، وتصديقا بكتابك ، ووفاء بعهدك ، واتباعا لسنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - . ويقول بين الركنين اليمانيين : اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . ويدعو في جميع طوافه بما شاء . وقراءة القرآن في الطواف أفضل من الدعاء غير المأثور . وأما المأثور ، فهو أفضل منها على الصحيح . وعلى الثاني : أنها أفضل منه .

                                                                                                                                                                        [ ص: 86 ] الرابعة : الرمل - بفتح الميم والراء - وهو الإسراع في المشي مع تقارب الخطى دون الوثوب والعدو . ويقال له : الخبب . وغلط الأئمة من ظن أنه دون الخبب .

                                                                                                                                                                        ويسن الرمل في الطوفات الثلاث الأول . ويسن المشي على الهينة في الأربعة الأخيرة . ثم هل يستوعب البيت بالرمل ؟ قولان . المشهور : يستوعب .

                                                                                                                                                                        والثاني : لا يرمل بين الركنين اليمانيين . ولا خلاف أن الرمل لا يسن في كل طواف ، بل فيما يسن فيه قولان . أظهرهما عند الأكثرين : إنما يسن في طواف يستعقب السعي . والثاني : يسن في طواف القدوم . فعلى القولين : لا رمل في طواف الوداع . ويرمل من قدم مكة معتمرا لوقوع طوافه مجزئا عن القدوم واستعقابه السعي . ويرمل أيضا الحاج الأفقي إن لم يدخل مكة إلا بعد الوقوف ، وإن دخلها قبل الوقوف ، فهل يرمل في طواف القدوم ؟ ينظر إن كان لا يسعى عقبه ، فعلى القول الثاني : يرمل . وعلى الأول : لا يرمل ، وإنما يرمل في طواف الإفاضة .

                                                                                                                                                                        وإن كان يسعى عقبه ، يرمل فيه على القولين . وإذا رمل فيه ، وسعى بعده ، فلا يرمل في طواف الإفاضة إن لم يرد السعي عقبه ، وكذا إن أراده على الأظهر . وإذا طاف للقدوم ، وسعى بعده ولم يرمل ، فهل يقضيه في طواف الإفاضة ؟ وجهان . ويقال قولان . أصحهما : لا .

                                                                                                                                                                        ولو طاف ورمل ولم يسع ، قال الأكثرون : يرمل في طواف الإفاضة هنا ، لبقاء السعي ، والظاهر أنهم فرعوا على القول الأول ، وإلا فالقول الثاني لا يعتبر السعي . وهل يرمل المكي المنشئ حجه من مكة ؟ إن قلنا بالقول الثاني فلا إذ لا قدوم في حقه وإلا فنعم ، لاستعقابه السعي .

                                                                                                                                                                        [ ص: 87 ] فرع

                                                                                                                                                                        لو ترك الرمل في الطوفات الثلاث لم يقضه في الأربع الأخيرة ؛ لأن هيئتها السكينة ، فلا يغير .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        القرب من البيت مستحب للطائف ، ولا ينظر إلى كثرة الخطى لو تباعد . فلو تعذر الرمل مع القرب للزحمة ، فإن كان يرجو فرجة ، وقف ليرمل فيها ، وإلا فالمحافظة على الرمل مع البعد عن البيت أفضل ؛ لأن القرب فضيلة تتعلق بموضع العبادة ، والرمل فضيلة تتعلق بنفس العبادة ، والمتعلق بنفس العبادة أولى بالمحافظة . ألا ترى أن الصلاة بالجماعة في البيت ، أفضل من الانفراد في المسجد . ولو كان في حاشية المطاف نساء ، ولم يأمن ملامستهن لو تباعد ، فالقرب بلا رمل أولى من البعد مع الرمل حذرا من انتقاض الطهارة ، وكذا لو كان بالقرب أيضا نساء ، وتعذر الرمل في جميع المطاف ، لخوف الملامسة ، فترك الرمل في هذه الحالة أولى . ومتى تعذر الرمل ، استحب أن يتحرك في مشيه ، ويرى من نفسه أنه لو أمكنه الرمل لرمل . وإن طاف راكبا أو محمولا ، قولان . أظهرهما : يرمل به الحامل ويحرك الدابة . وقيل : القولان في المحمول البالغ . ويرمل حامل الصبي قطعا .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        ليكن من دعائه في الرمل : اللهم اجعله حجا مبرورا ، وذنبا مغفورا ، وسعيا مشكورا .

                                                                                                                                                                        [ ص: 88 ] الخامسة : الاضطباع . وهو أن يجعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن ، وطرفيه على عاتقه الأيسر ، ويبقي منكبه الأيمن مكشوفا . وكل طواف سن فيه الرمل سن فيه الاضطباع ، وما لا فلا .

                                                                                                                                                                        لكن الرمل مخصوص بالطوفات الثلاث الأول ، والاضطباع يعم جميعها . ويسن أيضا في السعي بين الصفا والمروة على المذهب الذي قطع به الجمهور . وحكي وجه : أنه لا يسن فيه . ولا يسن في ركعتي الطواف على الأصح ، لكراهة الاضطباع في الصلاة . فعلى هذا ، إذا فرغ [ من ] الطواف ، أزال الاضطباع ثم صلى الركعتين ، ثم أعاد الاضطباع وخرج للسعي .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لا ترمل المرأة ، ولا تضطبع . وأما الصبي ، فيضطبع على الصحيح .

                                                                                                                                                                        قلت : ومتى كان عليه طواف الإفاضة ، فنوى غيره عن غيره ، أو عن نفسه تطوعا أو قدوما ، أو وداعا وقع عن طواف الإفاضة ، كما في واجب الحج والعمرة . ولو نذر أن يطوف ، فطاف عن غيره ، قال الروياني : إن كان زمن النذر معينا ، لم يجز أن يطوف فيه عن غيره . وإن طاف في غيره ، أو كان زمانه غير معين ، فهل يصح أن يطوف عن غيره والنذر في ذمته ؟ وجهان . أصحهما : لا يجوز كالإفاضة . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية