الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        إذا أسلم مؤجلا ، اشترط كونه معلوما ، فلا يجوز توقيته بما يختلف كالحصاد ، وقدوم الحاج . ولو قال : إلى العطاء لم يصح ، إن أراد وصوله ، فإن أراد وقت [ ص: 8 ] خروجه وقد عين السلطان له وقتا جاز ، بخلاف ما إذا قال : إلى وقت الحصاد ، إذ ليس له وقت معين . ولو قال : إلى الشتاء أو الصيف لم يجز إلا أن يريد الوقت . ولنا وجه شاذ قاله ابن خزيمة من أصحابنا : أنه يجوز التوقيت باليسار .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        التوقيت بشهور الفرس والروم جائز كشهور العرب ؛ لأنها معلومة ، وكذا التوقيت بالنيروز والمهرجان جائز على الصحيح . وفي وجه : لا يصح . قال الإمام : لأنهما يطلقان على الوقتين اللذين تنتهي الشمس فيهما إلى أوائل برجي الحمل والميزان ، وقد يتفق ذلك ليلا ، ثم ينحبس مسير الشمس كل سنة قدر ربع يوم وليلة . ولو وقت بفصح النصارى ، نص الشافعي رضي الله عنه : أنه لا يصح ، فقال بعض أصحابه بظاهره اجتنابا لمواقيت الكفار . وقال جمهور الأصحاب : إن اختص بمعرفته الكفار لم يصح ؛ لأنه لا اعتماد على قولهم ، وإن عرفه المسلمون ، جاز كالنيروز . ثم اعتبر جماعة فيهما معرفة المتعاقدين . وقال أكثر الأصحاب : يكفي معرفة الناس . وسواء اعتبرنا معرفتهما أم لا . فلو عرفا كفى على الصحيح . وفي وجه : يشترط معرفة عدلين من المسلمين سواهما ; لأنهما قد يختلفان ، فلا بد من مرجع . وفي معنى الفصح سائر أعياد أهل الملل ، كفطير اليهود ونحوه .

                                                                                                                                                                        قلت : الفصح ، بكسر الفاء وإسكان الصاد والحاء المهملتين ، وهو عيد لهم معروف ، وهو لفظ عربي . والفطير ، عيد اليهود ليس عربيا ، وقد طرد صاحب الحاوي الوجه في الفصح في شهور الفرس وشهور الروم . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو وقتا بنفر الحجيج وقيدا بالأول أو الثاني ، جاز . وإن أطلقا فوجهان . أحدهما : لا يصح . والأصح المنصوص : صحته ، ويحمل على النفر الأول لتحقق الاسم به [ ص: 9 ] ويجري الخلاف في التوقيت بشهور ربيع ، أو جمادى ، أو العيد ، ولا يحتاج إلى تعيين السنة إذا حملنا المذكور على الأول . وفي " الحاوي " وجه : أن التوقيت بالنفر الأول أو الثاني لا يجوز لغير أهل مكة ؛ لأن أهل مكة يعرفونه دون غيرهم . وذكر وجهين في التوقيت بيوم القر لأهل مكة ؛ لأنه لا يعرفه إلا خواصهم . وهذا الذي قاله ضعيف ، لأنا إن اعتبرنا علم العاقدين فلا فرق ، وإلا فهي مشهورة في كل ناحية عند الفقهاء وغيرهم .

                                                                                                                                                                        قلت : يوم القر ، بفتح القاف وتشديد الراء ، وهو الحادي عشر من ذي الحجة ، سمي به ; لأنهم يقرون فيه بمنى ، وينفرون بعده النفرين ، في الثاني عشر ، والثالث عشر . وهذا الوجه الذي ذكره في " الحاوي " قوي . ودعوى الإمام الرافعي رحمه الله شهرته عند غير الفقهاء ومن في معناهم لا تقبل ، بل ربما لا يعرف القر كثير من المتفقهين . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو أجلا إلى سنة أو سنين مطلقة ، حمل على الهلالية . فإن قيد بالرومية ، أو الفارسية ، أو الشمسية ، أو العددية . وهي ثلاثمائة وستون يوما تقيد . وكذا مطلق الأشهر محمول على الأشهر الهلالية . ثم إن جرى العقد في أول الشهر ، اعتبر الجميع بالأهلة ، تامة كانت أو ناقصة . وإن جرى بعد مضي بعض الشهر ، عد باقيه بالأيام ، واعتبرت الشهور بعده بالأهلة ، ثم يتمم المنكسر بثلاثين . وفيه وجه : أنه إذا انكسر شهر ، اعتبر جميع الشهور بالعدد . وضرب الإمام مثلا للتأجيل بثلاثة أشهر مع الانكسار فقال : عقدا وقد بقي من صفر لحظة ، ونقص الربيعان وجمادى ، فيحسب الربيعان بالأهلة ، ويضم جمادى إلى اللحظة من صفر ، ويكمل جمادى [ ص: 10 ] الآخرة بيوم إلا لحظة . ثم قال الإمام : كنت أود أن يكتفى في هذه الصورة بالأشهر الثلاثة ، فإنها جرت عربية كوامل . وما تمناه الإمام هو الذي نقله صاحب " التتمة " وغيره ، وقطعوا بحلول الأجل بانسلاخ جمادى الأولى . قالوا : وإنما يراعى العدد إذا عقد في غير اليوم الأخير ، وهذا هو الصواب .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو قال : إلى يوم الجمعة ، أو إلى رمضان ، حل بأول جزء منه ، لتحقق الاسم . وربما يقال : بانتهاء ليلة الجمعة ، وبانتهاء شعبان ، وهما بمعنى ، ولو قال : محله في الجمعة ، أو في رمضان ، فوجهان . أصحهما : لا يصح العقد ؛ لأنه جعل اليوم ظرفا ، فكأنه قال : في وقت من أوقاته . والثاني : يصح ويحمل على الأول .

                                                                                                                                                                        قلت : كذا قاله جمهور الأصحاب . إذا قال في يوم كذا ، أو شهر كذا ، أو سنة كذا ، لا يصح على الأصح ، وسووا بينهما ، وحكى الطبري في العد وجها : أنه يصح في يوم كذا دون الشهر ، وجعل صاحب الحاوي هذه الصور على مراتب ، فقال : من الأصحاب من قال : يبطل في السنة دون الشهر ، قال : فأما اليوم فالصحيح فيه الجواز لقرب ما بين طرفيه . والأصح المعتمد قدمناه . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ولو قال : إلى أول رمضان أو آخره بطل ، كذا قاله الأصحاب ؛ لأنه يقع على جميع النصف الأول أو الأخير . قال الإمام والبغوي : ينبغي أن يصح ، ويحمل على الجزء الأول من كل نصف ، كمسألة النفر ، وكاليوم والشهر ، يحمل على أولهما ، وكتعليق الطلاق .

                                                                                                                                                                        [ ص: 11 ] فرع

                                                                                                                                                                        لو أسلم في جنس إلى أجلين ، أو جنسين إلى أجل ، صح على الأظهر .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية