الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        في تخلل الخمر وتخليلها

                                                                                                                                                                        الخمر نوعان . أحدهما : محترمة ، وهي التي اتخذ عصيرها ليصير خلا ، وإنما كانت محترمة ؛ لأن اتخاذ الخل جائز بالإجماع ، ولا ينقلب العصير إلى الحموضة إلا بتوسط الشدة ، فلو لم يحترم وأريق في تلك الحال ، لتعذر اتخاذ الخل . النوع الثاني : غير محترمة ، وهي التي اتخاذ عصيرها للخمرية . ثم في النوعين مسائل .

                                                                                                                                                                        إحداها : تخليل الخمر بطرح العصير ، أو الملح ، أو الخل ، أو الخبز الحار ، أو غيرها

                                                                                                                                                                        [ فيها ] حرام . والخل الحاصل منها نجس لعلتين إحداهما : تحريم التخليل . والثانية : نجاسة المطروح بالملاقاة ، فتستمر نجاسته ، إذ لا مزيل لها ، ولا ضرورة إلى الحكم بانقلابه طاهرا ، بخلاف أجزاء الدن . ثم سواء في هذا الخمر [ ص: 73 ] المحترمة وغيرها ، والمطروح قصدا ، أو اتفاقا ، كإلقاء الريح . وفي وجه : يجوز تخليل المحترمة . وفي وجه : تطهر إذا طرح بغير قصد . والصحيح : الأول . ولو طرح في العصير بصلا ، أو ملحا ، واستعجل به الحموضة بعد الاشتداد ، فوجهان . أحدهما : يطهر ؛ لأنه لاقاه في حال طهارته كأجزاء الدن . وأصحهما : لا ؛ لأن المطروح تنجس بالتخمر ، فيستمر ، بخلاف أجزاء الدن للضرورة . ولو طرح العصير على الخل ، وكان العصير غالبا يغمر الخل عند الاشتداد ، ففي طهارته إذا انقلب خلا هذان الوجهان . ولو كان الخل غالبا يمنع العصير من الاشتداد ، فلا بأس .

                                                                                                                                                                        المسألة الثانية : إمساك المحترمة لتصير خلا ، جائز ، وغير المحترمة يجب إراقتها . فلو لم يرقها فتخللت ، طهرت ; لأن النجاسة والتحريم للشدة ، وقد زالت ، وحكي وجه : أنه لو أمسك غير المحترمة فتخللت لم تطهر . وحكى الإمام عن بعض الخلافيين : أنه لا يجوز إمساك المحترمة ، بل طريقه أن يعرض عن العصير إلى أن يصير خلا ، فإن اتفق رؤيته إياه خمرا ، أراقه ، وهذان شاذان منكران .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        متى عادت الطهارة بالتخلل ، طهرت أجزاء الظرف للضرورة ، وعن الداركي : إن لم يتشرب شيئا من الخمر كالقوارير ، طهر ، وإلا ، فلا ، والصواب المعروف : الطهارة مطلقا . وكما يطهر ما يلاقي الخل بعد التخلل ، يطهر ما فوقه مما أصابه الخمر في حال الغليان ، قاله القاضي حسين ، وأبو الربيع الأيلاقي .

                                                                                                                                                                        قلت : هو بكسر الهمزة ، وبالياء المثناة تحت ، وبالقاف منسوب إلى إيلاق ، وهي ناحية من بلاد الشاش ، واسم أبي الربيع هذا : طاهر بن عبد الله ، إمام جليل ، من أصحاب القفال المروزي ، وأبي إسحاق الإسفراييني . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 74 ] الثالثة : لو كان ينقلها من الظل إلى الشمس وعكسه ، أو يفتح رأسها ليصيبها الهواء استعجالا للحموضة ، طهرت على الأصح ، وقال أبو سهل الصعلوكي : لا تطهر ، والمحترمة أولى بالطهارة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        عن الشيخ أبي علي ، خلاف في صحة بيع الخمر المحترمة ، بناء على الخلاف في طهارتها ، وقد سبق في الطهارة . وإذا استحالت أجواف حبات العناقيد خمرا ، ففي بيعها اعتمادا على طهارة ظاهرها ، وتوقع طهارة باطنها ، وجهان ، وطردوهما في البيضة المستحيل باطنها دما ، والصحيح : المنع .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية