الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الباب الثاني فيما يترتب على الضمان الصحيح من الأحكام

                                                                                                                                                                        وهي ثلاثة .

                                                                                                                                                                        الأول : أن تتجدد للمضمون له مطالبة الضامن ، ولا تنقطع مطالبته عن المضمون عنه ، بل له مطالبتهما جميعا ، ومطالبة أيهما شاء .

                                                                                                                                                                        قلت : وله مطالبة أحدهما ببعضه ، والآخر بباقيه . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        فلو ضمن بشرط براءة الأصيل ، لم يصح على الأصح ؛ لأنه ينافي مقتضاه . والثاني : يصح الضمان والشرط . والثالث : يصح الضمان فقط . فإن صححناهما ، برئ الأصيل ، ورجع الضامن عليه في الحال إن ضمن بإذنه ؛ لأنه حصل براءته كما لو أدى . ومهما أبرأ مستحق الدين الأصيل ، برئ ( الضامن ) لسقوط الحق ، كما لو أدى الأصيل الدين ، أو أحال مستحقه على إنسان ، أو أحال المستحق غريمه عليه . وكذا يبرأ ببراءته ضامن الضامن . ولو أبرأ الضامن ، ولم يبرأ الأصيل ، لكن يبرأ ضامن الضامن . ولو أبرأ ضامن الضامن ، لم يبرأ الضامن . [ ص: 265 ] فرع

                                                                                                                                                                        ضمن دينا مؤجلا ، فمات الأصيل ، حل عليه الدين ، ولم يحل على الضامن على الصحيح . وقال ابن القطان : يحل ؛ لأنه فرعه ، فعلى الصحيح ، لو أخر المستحق المطالبة ، كان للضامن أن يطالبه بأخذ حقه من تركة الأصيل ، أو إبرائه ؛ لأنه قد تهلك التركة ، فلا يجد مرجعا إذا غرم . وفي وجه ضعيف : ليس له هذه المطالبة . ولو مات الضامن ، حل عليه الدين . فإن أخذ المستحق المال من تركته ، لم يكن لورثته الرجوع على المضمون عنه قبل حلول الأجل ، وفي وجه شاذ : لا يحل بموت الضامن .

                                                                                                                                                                        الحكم الثاني : في مطالبة الضامن المضمون عنه بالأداء ، ومداره على وجهين خرجهما ابن سريج - رحمه الله - ، في أن مجرد الضمان يوجب حقا للضامن على الأصيل ويثبت علقة بينهما ، أم لا ؟ فإذا طالب المضمون له الضامن بالمال ، فله مطالبة الأصيل بتخليصه إن ضمن بإذنه . وفي وجه شاذ : ليس له ، وليس له مطالبته قبل أن يطالب على الأصح . وهل للضامن تغريم الأصيل قبل أن يغرم حيث يثبت له الرجوع ؟ وجهان ، بناء على التخريج المذكور . وليكن الوجهان تفريعا على أن ما يأخذه عوضا عما يقضي به دين الأصيل ، يملكه . وفيه وجهان بناء على التخريج . ولو دفعه الأصيل ابتداء بلا مطالبة ، فإن قلنا : يملكه ، فله التصرف فيه ، كالفقير إذا أخذ الزكاة المعجلة ، لكن لا يستقر ملكه عليه ، بل عليه رده . ولو هلك عنده ، ضمنه كالمقبوض بشراء فاسد . ولو دفعه إليه وقال : اقض به ما ضمنت عني ، فهو وكيل الأصيل ، والمال أمانة في يده . ولو حبس المضمون له الضامن ، فهل له حبس الأصيل ؟ وجهان بناء على التخريج . إن أثبتنا العلقة بينهما . فنعم وإلا فلا ، وهو الأصح . ولو أبرأ الضامن الأصيل عما سيغرم ، إن أثبتنا العلقة ، صح الإبراء ، وإلا ، فعلى الخلاف في الإبراء عما لم يجب ووجد سبب وجوبه . ولو صالح الضامن الأصيل عن [ ص: 266 ] العشرة التي سيغرمها على خمسة ، إن أثبتناها في الحال ، صح الصلح ، وكأنه أخذ عوض بعض الحق وأبرأ عن الباقي ، وإلا ، فلا يصح . ولو ضمن عن الأصيل ضامن للضامن ، ففي صحته ، الوجهان . وكذا لو رهن الأصيل عند الضامن شيئا بما ضمن . والأصح في الجميع : المنع . ولو شرط في ابتداء الضمان أن يعطيه الأصيل ضامنا بما ضمن ، ففي صحة الشرط الوجهان . فإن صححنا فوفى ، وإلا فللضامن فسخ الضمان . وإن أفسدناه ، فسد به الضمان على الأصح .

                                                                                                                                                                        الحكم الثالث : الرجوع . أما غير الضامن إذا أدى دين غيره بغير إذنه ، فلا رجوع ؛ لأنه متبرع . وإن أدى بإذنه ، رجع إن شرط الرجوع قطعا . وكذا إن أطلق على الأصح . وفي وجه ثالث : إن كان حالهما يقتضي الرجوع ، رجع ، وإلا ، فلا ، كنظيره من الهبة . وأما الضامن ، فله أربعة أحوال .

                                                                                                                                                                        الأول : يضمن بإذن ويؤدي بإذن ، فيرجع سواء شرط الرجوع أم لا . قال الإمام : ويحتمل أن ينزل منزلة الإذن في الأداء بلا ضمان ، حتى يقال : إن شرط الرجوع رجع ، وإلا فعلى الخلاف . وفي كلام صاحب " التقريب " رمز إليه .

                                                                                                                                                                        الحال الثاني : أن يضمن ويؤدي بلا إذن ، فلا رجوع .

                                                                                                                                                                        الثالث : يضمن بغير إذن ، ويؤدي بالإذن ، فلا رجوع على الأصح . فلو أذن في الأداء بشرط الرجوع ، ففيه احتمالان للإمام ، أحدهما : يرجع كما لو أذن في الأداء بهذا الشرط من غير ضمان . والثاني : لا ؛ لأن الأداء مستحق بالضمان ، والمستحق بلا عوض لا يجوز مقابلته بعوض كسائر الحقوق الواجبة .

                                                                                                                                                                        قلت : الاحتمال الأول أصح . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        الرابع : يضمن بالإذن ، ويؤدي بلا إذن ، فأوجه . الأصح المنصوص : يرجع . والثاني : لا . والثالث : إن أدى من غير مطالبة أو بمطالبة ، ولكن أمكنه استئذان الأصيل ، لم يرجع ، وإلا فيرجع .

                                                                                                                                                                        [ ص: 267 ] فرع

                                                                                                                                                                        حوالة الضامن المضمون له على إنسان ، وقبوله حوالة المضمون له عليه ، ومصالحتهما عن الدين على عوض ، وصيرورة الدين ميراثا للضامن ، كالأداء في ثبوت الرجوع وعدمه .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية